اعتدنا كثيراً أن نرى الإدارة الأمريكية تتدخل في الشؤون العربية، واعتدنا كثيراً أن نرى اللوبي الصهيوني يعبث ليلاً ونهاراً بالقضية الفلسطينية، واعتدنا أن نرى القوات العسكرية الأجنبية موجودة في الأراضي العربية دون أن نسمي ذلك استعماراً، واعتدنا أن نرى لندن وواشنطن تأوي قوى الإرهاب التي تدعي محاربتها وتحاول حمايتها بدواعي حقوق الإنسان وحرية التعبير، واعتدنا كذلك أن نشاهد في شاشات التلفاز جوائز نوبل توزع سنوياً دون أن يكون للعرب نصيب منها، إضافةً إلى ذلك فإننا اعتدنا أن نرى الاقتصاديات العربية تترنح بين عشية وضحاها نتيجة ما يحدث في وول ستريت بالولايات المتحدة.
هذا هو واقعنا العربي المرير الذي اعتدنا عليه، ولكننا لم نعتد أبداً أن تظهر علينا إحدى الفضائيات العربية وتتحكم في شؤوننا الداخلية، وتقوم بممارسات بث الفتنة والانشقاق داخل المجتمع بدواعي حقوق الإنسان العربي وحرية التعبير، ونحن نحاول ليلاً ونهاراً التصدي لهجماتها، ففجأة نجدها تفتح جبهة على إحدى الحكومات العربية، وسرعان ما تتحول لمناقشة إحدى القضايا الحساسة بدول مجلس التعاون الخليجي، ولنا في أحداث تونس ومصر عبر ودروس كبيرة.
أعتقد أن الدور الفاضح الذي تقوم به قناة الجزيرة أصبح دوراً يتجاوز دور الحكومات الغربية التي لها مصالح واسعة ونفوذ عميق داخل بلداننا العربية، وأصبح من السهل جداً ألا تقوم الإدارة الأمريكية باللجوء للعقوبات الاقتصادية أو التدخل العسكري لمعاقبة إحدى الحكومات العربية، بل بإمكانها بسهولة ويسر الاتصال بالمسؤول عن قناة الجزيرة وإبداء الرغبة والرأي دون الحاجة لتقديم ورقة صغيرة تسمى (شيكاً نقدياً)، لأن القناة لديها أيضاً خطة ترغب في تنفيذها ومن سوء حظنا أن هذه الخطة تتقاطع مع مصالح العديد من القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ماذا تريد (الجزيرة)؟
قد يكون هذا هو السؤال الأكبر الذي يطرحه معظم المواطنون العرب الآن! ولكن لا يهمنا ما تقدمه هذه القناة المثيرة للجدل، وإنما يهمنا الدور السياسي الذي تمارسه، وبات دوراً خطراً ليس على الحكومات أو على هذا الرئيس أو رئيس الحكومة ذلك، وإنما بات دوراً خطراً على كيان الدول العربية، فالاستعمار الجديد في عصرنا ليس عسكرياً كما كان في عهد أجدادنا، وإنما هو استعمار إعلامي ناعم، وأصبح هذا الاستعمار عربياً وليس أجنبياً بمعنى أنه لا توجد حاجة لدى لندن أو واشنطن أو حتى تل أبيب للتدخل العسكري في إحدى بلداننا، ولا عليها سوى الاتصال بالدوحة حتى تقوم بإعداد خطة رائعة ومحكمة وسريعة المفعول تبدأ بإشعال الفتنة، وتنتهي بتغطيات ساخرة على موقع الجزيرة الإلكتروني، وإذا حاول أحد طبعاً انتقاد الجزيرة سيقال له.. لماذا أنت ضد حرية التعبير؟!
يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1884 الأحد 6 فبراير 2011
صحيفة الوطن - العدد 1884 الأحد 6 فبراير 2011