Monday, July 11, 2011

قناة الجزيرة‮ ‬وعاداتنا الست

اعتدنا كثيراً‮ ‬أن نرى الإدارة الأمريكية تتدخل في‮ ‬الشؤون العربية،‮ ‬واعتدنا كثيراً‮ ‬أن نرى اللوبي‮ ‬الصهيوني‮ ‬يعبث ليلاً‮ ‬ونهاراً‮ ‬بالقضية الفلسطينية،‮ ‬واعتدنا أن نرى القوات العسكرية الأجنبية موجودة في‮ ‬الأراضي‮ ‬العربية دون أن نسمي‮ ‬ذلك استعماراً،‮ ‬واعتدنا أن نرى لندن وواشنطن تأوي‮ ‬قوى الإرهاب التي‮ ‬تدعي‮ ‬محاربتها وتحاول حمايتها بدواعي‮ ‬حقوق الإنسان وحرية التعبير،‮ ‬واعتدنا كذلك أن نشاهد في‮ ‬شاشات التلفاز جوائز نوبل توزع سنوياً‮ ‬دون أن‮ ‬يكون للعرب نصيب منها،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى ذلك فإننا اعتدنا أن نرى الاقتصاديات العربية تترنح بين عشية وضحاها نتيجة ما‮ ‬يحدث في‮ ‬وول ستريت بالولايات المتحدة‮.‬

هذا هو واقعنا العربي‮ ‬المرير الذي‮ ‬اعتدنا عليه،‮ ‬ولكننا لم نعتد أبداً‮ ‬أن تظهر علينا إحدى الفضائيات العربية وتتحكم في‮ ‬شؤوننا الداخلية،‮ ‬وتقوم بممارسات بث الفتنة والانشقاق داخل المجتمع بدواعي‮ ‬حقوق الإنسان العربي‮ ‬وحرية التعبير،‮ ‬ونحن نحاول ليلاً‮ ‬ونهاراً‮ ‬التصدي‮ ‬لهجماتها،‮ ‬ففجأة نجدها تفتح جبهة على إحدى الحكومات العربية،‮ ‬وسرعان ما تتحول لمناقشة إحدى القضايا الحساسة بدول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬ولنا في‮ ‬أحداث تونس ومصر عبر ودروس كبيرة‮. ‬

أعتقد أن الدور الفاضح الذي‮ ‬تقوم به قناة الجزيرة أصبح دوراً‮ ‬يتجاوز دور الحكومات الغربية التي‮ ‬لها مصالح واسعة ونفوذ عميق داخل بلداننا العربية،‮ ‬وأصبح من السهل جداً‮ ‬ألا تقوم الإدارة الأمريكية باللجوء للعقوبات الاقتصادية أو التدخل العسكري‮ ‬لمعاقبة إحدى الحكومات العربية،‮ ‬بل بإمكانها بسهولة ويسر الاتصال بالمسؤول عن قناة الجزيرة وإبداء الرغبة والرأي‮ ‬دون الحاجة لتقديم ورقة صغيرة تسمى‮ (‬شيكاً‮ ‬نقدياً‮)‬،‮ ‬لأن القناة لديها أيضاً‮ ‬خطة ترغب في‮ ‬تنفيذها ومن سوء حظنا أن هذه الخطة تتقاطع مع مصالح العديد من القوى الغربية وفي‮ ‬مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية‮.‬

ماذا تريد‮ (‬الجزيرة)؟
قد‮ ‬يكون هذا هو السؤال الأكبر الذي‮ ‬يطرحه معظم المواطنون العرب الآن‮! ‬ولكن لا‮ ‬يهمنا ما تقدمه هذه القناة المثيرة للجدل،‮ ‬وإنما‮ ‬يهمنا الدور السياسي‮ ‬الذي‮ ‬تمارسه،‮ ‬وبات دوراً‮ ‬خطراً‮ ‬ليس على الحكومات أو على هذا الرئيس أو رئيس الحكومة ذلك،‮ ‬وإنما بات دوراً‮ ‬خطراً‮ ‬على كيان الدول العربية،‮ ‬فالاستعمار الجديد في‮ ‬عصرنا ليس عسكرياً‮ ‬كما كان في‮ ‬عهد أجدادنا،‮ ‬وإنما هو استعمار إعلامي‮ ‬ناعم،‮ ‬وأصبح هذا الاستعمار عربياً‮ ‬وليس أجنبياً‮ ‬بمعنى أنه لا توجد حاجة لدى لندن أو واشنطن أو حتى تل أبيب للتدخل العسكري‮ ‬في‮ ‬إحدى بلداننا،‮ ‬ولا عليها سوى الاتصال بالدوحة حتى تقوم بإعداد خطة رائعة ومحكمة وسريعة المفعول تبدأ بإشعال الفتنة،‮ ‬وتنتهي‮ ‬بتغطيات ساخرة على موقع الجزيرة الإلكتروني،‮ ‬وإذا حاول أحد طبعاً‮ ‬انتقاد الجزيرة سيقال له‮.. ‬لماذا أنت ضد حرية التعبير؟‮!‬

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1884 الأحد 6 فبراير 2011