يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1940 الأحد 3 أبريل 2011
صحيفة الوطن - العدد 1940 الأحد 3 أبريل 2011
من أكبر العوامل التي قادتنا إلى ما نحن عليه اليوم من مآسٍ وقسوة في العيش والتعامل مع الآخر هي الشبكات الواسعة التي تأسست في البحرين على مدى أكثر من 30 عاماً، وبتنا اليوم أحوج ما نكون إلى تفكيك مباشر وفوري لهذه الشبكات التي نخرت المجتمع. هذه الشبكات لا نقصد فيها تنظيمات سرية، لأنها كثيرة وغير معلنة، وجارٍ حالياً تتبعها وبحث مصادرها وأنشطتها لتجفيف منابعها تمهيداً للقضاء عليها نظراً لخطورتها على الأمن القومي البحريني. الشبكات التي أسست في البحرين بدعم خارجي، أو حتى غير خارجي باتت مصدراً مقلقاً بشكل كبير لحالة السلم والأمن الأهليين، ولكن ما سبب خطورتها إذا كانت غير سرية ومعلنة؟ مصدر الخطورة يكمن في أن هذه الشبكات تعمل بيننا ونشاهد عملها ونتعامل معها بطريقة أو بأخرى، فهي شبكات موجودة في شكل مؤسسات المجتمع المدني، أي جمعيات وصناديق خيرية ومؤسسات دينية وحركات حقوقية وطلابية وشبابية ونسائية ونقابية. ولا يقتصر الأمر على مؤسسات المجتمع المدني، فلدينا سلسلة واسعة تقدر بـ (الآلاف) من المآتم والمساجد والحوزات الدينية التي تم تحويل دورها من دور عبادة ووعي ديني إلى مؤسسات للتعبئة السياسية والطائفية منها يتم تربية المواطنين على كره الآخر وكيفية العمل على القضاء عليه. ليس ذلك فحسب، وإنما هناك شبكات إعلامية واسعة تعمل ليلاً ونهاراً على بث خطاب إعلامي مقيت ارتبطت بوسائل إعلام تقليدية مثل بعض الصحف والقنوات الفضائية، كما استغلت ببراعة توظيف تقنيات الإعلام الإلكتروني، وخاصة وسائل الإعلام الاجتماعي في تكوين رأي عام داخلي وخارجي مؤيد للاتجاه الطائفي الذي عملت عليه منذ سبعينيات القرن العشرين. في 21 أكتوبر 2004 تأسس المجلس العلمائي برئاسة الشيخ عيسى قاسم، وأصبحت هذه الشبكات العشوائية الضخمة تحت إمرته، ولم يكتفِ بذلك بل استطاع بحكم تعيينه من قبل مرشد الثورة الإيرانية خامنئي عضواً في المجمع العالمي لأهل البيت، وهي أكبر مؤسسة شيعية في العالم لعلماء الدين الشيعة ومقرها مدينة قم الإيرانية أن يبسط سيطرته وإمرته على هذه الشبكات الواسعة حتى صارت تتصرف وفقاً للاستراتيجيات العامة التي يحددها. لنتحدث عن جانب هام من النتائج التي أوصلتنا إليها هذه الشبكات في البحرين، حيث ساهمت في تعزيز ربط الطائفة الشيعية بالخارج دينياً وسياسياً ومالياً واجتماعياً سواءً برغبة أبناء الطائفة أو من غير رغبتهم، حتى أصبح من يخالف تعليمات قاسم أو المجلس العلمائي في قائمة الخيانة للدين وللوطن وللمذهب. ومازلنا نتذكر جيداً ما حدث عندما سعت الدولة لاستصدار نظام يؤمن لأئمة المساجد والمؤذنين راتباً ونظاماً تقاعدياً يكفل لهم حياة كريمة على ما يقومون به من دور ديني أساس، فقامت هذه الشبكات بممارسة صنوف من الإرهاب، وشكلت ميليشيات إبطال الصلاة لمن يقبل بهذا النظام، لأن عليه الارتباط بالمؤسسة الدينية التي يتزعمها قاسم فقط. مثال آخر أيضاً عندما أصدر قاسم موقفاً سياسياً بعدم تمثيل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية للطائفة الشيعية وحظي بدعم قوي من الشبكات الشيعية، تحوّل المجلس العلمائي إلى مجلس موازٍ، وذلك انطلاقاً من أن مجلساً مشتركاً يمثل الطائفتين السنية والشيعية لا يمكن أن يمارس مهام الإشراف على الشؤون الدينية للطائفة الشيعية. وبعد عدة سنوات انتقل قاسم إلى مرحلة جديدة لإدارة هذه الشبكات، فاعتزل رئاسة المجلس العلمائي في سبيل أن يكون هو القائد، والمجلس العلمائي بمثابة حكومة تدير شؤون الشبكات، فأصبح تدريجياً رمزاً ذاته مصونة، ولا يمكن المساس بها رغم أنه رجل دين قابلة آراؤه للخطأ والصواب، وهي المعادلة الوحيدة التي يمكن التعامل مع كافة رجال الدين في العالم بها، وإن كان مرشد الثورة الإيرانية خامنئي. من هنا، إذا كنا نتحدث اليوم ونطالب بوقف الطائفية، والكراهية المتبادلة، والعنف الإرهابي حتى تهدأ الأمور وتصبح أوضاع الدولة البحرينية أفضل، فمن الواجب أن يقدم على تفكيك هذه الشبكات الواسعة، وإلا لن تكون هناك علاقة طبيعية بين السنة والشيعة أبداً، وإن كان من الصعب جداً جداً عودة هذه العلاقات إلى سابق عهدها، فالطائفة السنية التي لم تقم بتشكيل شبكاتها طوال العقود الماضية، لن تقبل أبداً بمثل هذه الشبكات أكثر مما مضى، لأنها اكتوت بنارها في فقدان الأمن، وقتل أبنائها، والإساءة إليها رغم عدم إساءة السنة لأبناء الطائفة الشيعية. وأعتقد أن الخيار الأمثل في حالة رفض تفكيك مثل هذه الشبكات، هو اللجوء إلى قوة القانون دون مجاملة لتفكيك الشبكات التي عملت على هدم الدولة البحرينية. خصوصاً وأننا لم نستخدم القوة لوقف هذه الشبكات عند حدها بعد أن تجاوزت ووصلت إلى مرحلة متقدمة لإنهاء حكم الأسرة الخليفية المالكة، والقضاء على الطائفة السنية الأًصيلة في الدولة