Thursday, May 17, 2012

من يتهم أو يشكك بالربيع العربي

د.عمران الكبيسي
من مأثور القول: “حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له” وكثيرا ما كنا نتهم شعوب بلادنا بالخمول والركون والصبر على أذى الاستبداد وضياع الحقوق وتفرد الحكام، واليوم حين ثارت الشعوب وضربت مثالا في الشجاعة والوقوف بوجه من ظلمها وأذلها نشكك بنزاهة ثوراتهم ونتهمها بالخيانة والعمالة ونفتري عليها ونتقول بما لا يرضي لان الأمور لم تسر وفق تمنياتنا وأهوائنا، وننسى الماضي ونعود إلى فكرة المؤامرة و”كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.

ولا أريد أن أكون كمن ينهى عن الشيء ويأتي بمثله، فأتهم وأشكك بمن لا اتفق معه في الهوى، وإنما أتساءل بمحبة وأذكر لعل الذكرى تنفع من غفل وتغافل، وأبدأ بالتساؤل من تونس حيث انطلاقة الربيع، أكان ابن على رجل تونس، والرئيس المفضل وطنيا وقوميا وعقائديا، والحاكم العادل الصالح الديمقراطي، وأسرته المبجلة موضع ثقة والتزام بالثوابت؟ وأطاحت به ثورة الربيع؟ وهل كان يقف بوجه أطماع أمريكا وأوروبا لتتآمر عليه، وتغري أعوانها بالثورة لاستبداله برئيس منتخب؟ لماذا نشكك بنزاهة الربيع وسلامة نواياه؟ إذا لم يكن ابن علي مبرأ من كل عيب،!  وهل من العدل أن نهاجم ثورة الربيع بتونس لمجرد الخوف من سيطرة الإسلاميين على القيادة ولو عن طريق الصندوق وفقا للقيم الديمقراطية سواء انفردوا أم اشتركوا بالحكم مع غيرهم؟ ونخشى أن يمنعوا السفور، ويحرموا الخمور، ويغلقوا الماخور!
وفي مصر، هل كان الرجل الهرم مبارك قادرا على النهوض برئاسة أكبر الدول العربية ثقلا ؟ وهل كان وفيا لمصر ولأمته حافظا لمصالحها وله رؤية ذات ثوابت وطنية وقومية وعقائدية في سياسته الخارجية والداخلية، وكان حازما بوجه أعدائها لا خانعا ولا منبطحا؟ الآن حسني مبارك أصبح قائدا وطنيا وبطلا عربيا ورئيسا دستوريا؟ ولم يكن مغتصبا للرئاسة ولا يريد توريثها لابنه جمال؟ ولم يعزل مصر عن الأمة، ولم يتآمر على الفلسطينيين، ولم يفسد في الأرض ولم يزور الانتخابات ولم يسرق أموال الشعب، ولم يقيد الحريات، ولم يسجن ويعتقل ويعذب، فسعت أمريكا في خلعه، ورشت ملايين المصريين ليتظاهروا ويعتصموا ويصرون على رحيله لأنهم عملاء استلموا سلفا؟ ومبارك رائد العدالة الاجتماعية والقاعدة الصلبة الراعية لأهداف الأمة وتطلعاتها وباني نهضة مصر وحافظ أمنها! لنتهم من خرجوا وأرواحهم على اكفهم، بالخيانة والفوضوية والضلال، أمن أجل كراهيتنا للإخوان المسلمين، لأن عشرة ملاين مصري قالت لهم نعم بمنتهى الشفافية؟ وأصبحوا أغلبية في مجلس النواب وقد يصبح الرئيس منهم، نخوّن ثوار الربيع ونزدري المصريين؟ وندعي أن الربيع سرق وركب العملاء موجته وعبروا على ظهور الشعب المغفل؟
اليوم أصبح القذافي بالنسبة إلى أعداء الربيع العربي عمر المختار الثاني، وقائد الضرورة الثوري الحريص على أموال الشعب الليبي وسيادته واستقلاله، والسوي المستقيم حامي حمى العروبة، لمجرد قال كلمة حق أريد بها باطل بصدام حسين، وننسى أنه باع السلاح لإيران  لتحارب صدام حسين؟ أين القذافي من الشعب العراقي يوم حوصر أربعة عشر عاما؟ ولماذا شرد القذافي العربي الفلسطينيين العرب ونفاهم ورماهم في الصحراء على الحدود، ولم يسلخ جلده العربي ويهاجم العرب وادعى انه أفريقي وفضل الوحدة الأفريقية وأصبح يتباهى بأنه ملك ملوك أفريقيا، وهو بمفرده من دون الحكام العرب عربيا أبيا كريما وعزيزا، والشعب الليبي الذي روي بدمائه الأرض العطشى إلى الحرية عميل تسيره أمريكا بالدولار، وكل من سود وجهه صار حدادا؟ 
واليمن السعيد كان سعيدا بعبد لله صالح، والملايين التي خرجت تنادي ارحل في كل المحافظات تنادي جهلا وعمالة قبضت الثمن، أما الرئيس من باع الغاز للشركة الكورية بثلاثة دولارات لكل مليون وحدة  طيلة عشرين سنة مقارنة بـ 12 دولارا كانت تشتريه الشركة ذاتها من أندونيسيا، والشعب اليمني يلحس الحجر فقرا وكفافا يستحق التأبيد في السلطة. وبقدرة قادر، الإسلاميون الذين دافعوا بأرواحهم عن وحدة اليمن وكان لهم الأغلبية في البرلمان يوم صوتوا له إنقاذا للوحدة، أصبحوا اليوم يتآمرون على اليمن، وعلي صالح وحده وطنيا!.
وفي سوريا اعتلى بشار الأسد الرئاسة بالانتخاب، وفق التبادل السلمي الديمقراطي للسلطة وليس بالعهدة عن والده الرمز، وكان جديرا أن يحكم سوريا لعبقريته، وما يفعله بشعبه اليوم دفاعا عن العروبة ولتحرير الجولان وليس إبادة جماعية عشوائية لم يفعلها حتى نيرون في حريق روما، وإيران التي تقف خلفه انتصارا لأمة العرب وليس بدوافع صفوية ولذلك لا يستحق أن يقف الشعب بوجهه وقفة ربيع عربي ويقول له كفى!
ألا يخجل من يتهم جماهير شعبه بالغوغاء والعمالة والخيانة إذا وقفوا بوجه استبداد رؤساء ظلمة بغاة عتاة قتله قصابين آكلي لحوم البشر يستحمون بدماء الأطفال النساء، ألا يمتلك هؤلاء قطرة حياء أم الحقد أعمى بصائرهم؟ لست مدافعا عن الإخوان المسلمين ولكني أدافع عن دماء أهلي وحريتهم وعن قيم ديني ومقدساته التي دنسها هؤلاء الحكام، فلا الإخوان ولا أحفاد أحفادهم بعد اليوم يستطيع سرقة ثورات الربيع، وسيقف الشعب بالمرصاد لكل من يحاول الارتقاء بغير الصندوق على أكتافه؟