Thursday, May 17, 2012

حاجة البحرين إلى معارضة رشيدة

فوزية رشيد
الذين يسمون أنفسهم معارضة طنطنوا طويلا حول الحاجة إلى «حكومة رشيدة» ونسوا أنفسهم، ونسوا تماما أن أي بلد في العالم بقدر حاجته الى حكومة رشيدة فهو بحاجة الى معارضة رشيدة في ذات الوقت.

لا يمكن أن تقوم أي دولة بفتح باب الحريات والديمقراطية وتطوير الاصلاح، فيما المعارضة تريد أن تنسف النظام السياسي الاصلاحي القائم عن بكرة أبيه، وأن تنقلب على الدستور وعلى القانون وعلى الاصلاح نفسه، بل على كامل الحياة البحرينية بكل تفاصيلها، بل أن تخرج من تحت الرداء السياسي الاصلاحي، لتتبنى العنف والارهاب وتستند إليهما، ثم تدعي أنها معارضة سياسية اصلاحية، تريد الاصلاح وتريد حكومة رشيدة.
معارضة كهذه تكون ليس فقط قد خرجت عن مبادئ العقل والمنطق، وانما خرجت أيضا عن قوانين الرشد، وتماهت تماما مع جنون الارهاب والعنف والتخريب.
البحرين بعد أن كشف شعبها الوجه الحقيقي للجمعيات السياسية القائمة التي تحولت من كونها - كما هو مفترض - ممثلة لمطالب الشعب، لتصبح ممثلة لحراك طائفي ارهابي، هي بحاجة اليوم كوطن للجميع الى اعادة ترتيب أوراق كل الجمعيات السياسية، (القائمة على أسس تخالف قانون الجمعيات وتخالف نصوص وجوهر وروح الميثاق والدستور)، بل تخالف المصلحتين الوطنية والشعبية، بل تضرب في أمن البلد واستقراره، وتعرض منجزاته الديمقراطية والاصلاحية لأكبر خطر، ناهيك عن كل ما ارتكبته من جرائم حقيقية في حق الشعب البحريني، وخاصة بعد أحداث فبراير، فأوجدت على السطح بحرين أخرى، وشعبا بحرينيا آخر، منقسما على نفسه، ومتناحرا طائفيا في الجوهر، ويعاني بلاء ارهاب متصاعد، يعرض الاصلاح والاقتصاد والمجتمع لمخاطر كارثية كبرى.
مثل جمعيات كهذه تدعي أنها معارضة، وهي معارضة غير رشيدة بكل المقاييس، لا يحتاج إليها بلدنا، ولا يحتاج إليها شعبنا بكل مكوناته، لأنها في واقعها وجوهرها لا تعمل من أجل بناء وطن أو اصلاح أحوال شعب كما تدعي، وانما هي تتاجر فيهما من أجل مصالح خارجة تماما عن خط سير الوطن والشعب والاصلاح، حتى ان أجادت وأتقنت استخدام الشعارات والمصطلحات والمفاهيم الاصلاحية، فجوهر سلوكها وحقيقته ينسفان كل الكلام، وينسفان مبدأ التقية أو الكذب فيما الهدف في مكان آخر تماما، وهو الاستحواذ الكامل على السلطة من فئة طائفية ثيوقراطية متخلفة، حتى لو كان ثمن ذلك هو حرق الوطن بالارهاب، وأخذ الشعب البحريني نحو النموذج العراقي الكارثي بكل ما في الكلمة من معنى.
مثل جمعيات كهذه يجب أن تقف الدولة ويقف الشعب لاخراجها واخراج أمراضها وأزماتها من الحياة البحرينية بشكل كامل، فهي قد فقدت رشدها وتحولت الى كارثة على الجميع، والى مجرد أداة في (حرب الوكالات) على البحرين.
واذا تم التعامل الديمقراطي معها في اطار مؤشرات وبوصلة (قانون الجمعيات) في عهد المشروع الاصلاحي، فانها قد خرقت هذا القانون بكل المقاييس، وعلى الدولة والشعب اللذين يريدان الحفاظ على وطنهما الكف تماما عن التعامل معها بمقياس هذا القانون «المخترق» من جانبها كجمعيات، أو التعامل معها كمعارضة لا يمكن الاستغناء عنها، باعتبار أنها شر لابد منه. هي شر ولكن ليست (قدرا) والارادة الشعبية باعتبارها مصدر السلطات، وحقوق الدولة الأصيلة في الحفاظ على أمن البلاد والعباد، يجب أن يتم تفعيلهما في مواجهة هذا (الدجل السياسي الكبير) الذي تمارسه هذه الفئة المريضة الضالة، التي غيرت بممارساتها وادعاءاتها وجه الحياة في البحرين، وتعمل اليوم على المزيد بإدخال الجميع في نفق مظلم، يجب عدم السماح بأي شكل بإدخالنا فيه.
لدى الطائفة الشيعية وربما حتى في داخل «الوفاق» وبقية الجمعيات التابعة لها، وجوه وطنية غير راضية عن أجندة وسلوكات من يقودون الوطن الى النفق المظلم.
وفي حال (حل) هذه الجمعيات فلن يعدم الشعب البحريني، ومكونه الشيعي، اخراج معارضة اصلاحية حقيقية الى النور، هدفها الأساس اصلاحي حقيقي في ظل الحفاظ على الحياة المدنية والتعددية والديمقراطية الراهنة في البحرين.
بلادنا بحاجة الى معارضة رشيدة تلتزم بالرشد السياسي بنفسها أولا، قبل أن تطالب الدولة بالمزيد.
بلادنا بحاجة الى معارضة وطنية، غير طائفية، ولاؤها للوطن ولاصلاحه ولنظامه بحسب الدستور ولهويته ولانتمائه ولنهضته وتطوير اصلاحه، في حدود مفهوم الوطنية والمواطنة البعيدتين عن أي ابتزاز أو استغلال أو تشويه، وبحاجة الى معارضة سياسية حقيقية لا صلة لها بالعنف أو بالإرهاب أو بالدفاع عن أصحابهما أو دعمهما أو تغذيتهما بالتحريض السياسي والديني.
فهل هذا من المستحيلات؟ أم أن المستحيل هو التعايش مع جمعيات جرت البلاد الى الكوارث.