Monday, May 28, 2012

الاتحاد الخليجي.. آمال وتطلعات

د. عبدالرحمن بن الشاعر
تشهد الساحة الخليجية منذ فترة ليست ببعيدة حراكاً سياسيا صامتاَ على مستوى قادة دول مجلس التعاون الخليج حول تحول دول الخليج العربي الست من مرحلة التعاون إلى مرحلة الإتحاد، وبالأمس القريب انتهت القمة التشاورية لقادة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في الرياض لمناقشة تقرير لجنة الخبراء المكلفة بدراسة مشروع إنشاء الاتحاد الخليجي، والتي لم يسفر عنها حسب ما تناقلته وسائل الأعلام إلا عن أن اللجنة عاكفة على دراسة التفاصيل الدقيقة لهذا الاتحاد حتى يخرج بصورته النهائية في الجلسة الاستثنائية التي سيدعى لها مجلس التعاون خلال الأشهر القليلة المقبلة دون أدنى معلومات. وبالرغم من أن غالبية شعوب دول الخليج العربية تنتظر الإعلان عن هذا الاتحاد بفارغ الصبر لما لكلمة اتحاد من بالغ المعني والأثر في نفوسهم باعتبار أن دافعهم نحو الاتحاد هو إقامة كيان قوي يستطيع المحافظة على استقلاليتهم وحتى يتمكن الدفاع عن كيانهم، وخاصة أن عالم اليوم يتجه نحو إقامة تكتلات وكيانات كبرى لأن الدول الصغيرة لم تعد قادرة على مواجهة التحديات والأطماع الخارجية المتنامية ناهيك عن الأزمات المالية التي لم يعد ممكنا أن تعالجها الدول الصغيرة بمفردها ذات الموارد والأسواق الصغيرة، لذا ففكرة الإتحاد تجد صدى لدى شعوب الخليج بأطيافها الاجتماعية والسياسية، وان كانوا يختلفون في شكل هذا الاتحاد فهو بمثابة طوق النجاة في مواجهة الأخطار المحدقة التي تداهم وجودهم وتقضي على كيانهم تجاه أي دولة أخرى قوية لا تستطيع بمفردها ردها، ومما يقوى هذا الدافع لدى هذه الدول المقومات المشتركة التي تحتم عليها أن تكون متحدة لا متفرقة أمام هذه الأخطار، والتي تتمثل في وحدة الدين واللغة والعادات والهوية والثقافة والمصير المشترك، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات لدى تلك الشعوب عن شكل هذه الاتحاد المزمع إنشائه ومدى قدرته على تحقيق آمال وتطلعات شعوبها وفي ذات الوقت مدى قدرته على المحافظة على خصوصية كل دولة من دول الاتحاد وإرادة شعوبهم، وخصوصاَ وأن التجارب العربية التي سبقتها انتهت بالفشل وذهبت مع الريح ابتداء من الاتحاد المركزي «الفيدرالي» للمملكة الليبية مروراً باتحاد الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 واتحاد الدول العربية المتحدة سنة 1958، وأخيراً الاتحاد الثلاثي سنه 1963، والإجابة على هذه التساؤلات تعتمد في المقام الأول على إرادة قادة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها في ضوء التحديات والتحولات التي تمر بها المنطقة. ولكن أمام الصمت الإعلامي وشح المعلومات لا نجد مفر من تحليل هذه التساؤلات وفقاً للمعطيات الموجودة، فإذا كانت دول المجلس تسعى إلى إقامة اتحاد كونفدرالي فهو متحقق على أرض الواقع، فنظرة سريعة للنظام الأساس لمجلس التعاون لدول الخليج العربي لنجد أن نص المادة الرابعة منه تؤكد على أن أهداف المجلس تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، أي أن المجلس أنشئ في شكل اتحاد ووسيلته للوصول إلى هذا الاتحاد هو التعاون والتنسيق المشترك بين أعضائه شأنه شأن الاتحادات التعاهدية أو الكونفدرالية وأن لم يصرح بهذه الكنفدرالية في النظام الأساسي، ولا ينال من كونه كذلك عدم النص على ذلك بشكل صريح فكل من الاتحاد السويسري التعاهدي المبرم سنة 1815 والذي تحول بعد ذلك سنه 1848 إلى اتحاد فيدرالي والاتحاد الأمريكي التعاهدى لسنه 1783 والذي تحول بعد ذلك سنه 1778 إلى اتحاد فيدرالي، فضلا عن الاتحاد الأوربي سنة 1992 جميعهم لم ينصوا على كلمة فيدرالي بشكل صريح ولم يقل أحد بأنهم اتحادات ليست كونفيدرالية. إذن فأركان الاتحاد الفيدرالي متوافرة في مضمون اتفاقية مجلس التعاون فهي دول مستقلة وذات سيادة تامة أتحدت بموجب اتفاقية حددت أغراضها المشتركة في المجالات منها الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، وما اتخذه المجلس الأعلى لمجلس التعاون من قرارات في المجال العسكري منذ إنشائه تهدف إلى تعزيز الدفاع عن نفسها مجتمعة انطلاقاً من أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها مجتمعة، وأن أي خطر يهدد أحداها إنما يهددها جميعاً، وثمرة هذا التعاون هو إنشاء قوة درع الجزيرة، واتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون وغيرها من الاتفاقيات، فضلاً عن وجود هيئة سياسية عليا وهي المجلس الأعلى الذي يتخذ التوصيات مع احتفاظ كل دولة من هذه الدول بسيادتها الخارجية والداخلية، فإذاً أي اتحاد تريد دول الخليج التحول له، أم أنها أدركت أن الاتحاد الكونيفدرالي بهذا الشكل لا يحقق الهدف المنشود لضعفه أمام التحولات الجديدة كما أدركت من قبلها الولايات المتحدة الأمريكية فتحولت إلى الاتحاد الفيدرالي سنه 1787 بعد أن ثبت ضعف الهيئة السياسية المشتركة للدول الأعضاء عن فرض إرادتها على الولايات في حدود اختصاصاتها كما هو الحال في دولنا الخليجية من عدم تنفيذ توصيات الهيئة السياسية العليا المشتركة. أم أنها تريد التحول إلى كوفيدرالية متطورة على غرار الإتحاد الأوربي تتمتع الهيئة السياسية العليا فيها بصلاحيات واسعة وحقيقية في شؤونها الدولية من إبرام معاهدات، وتمثيل سياسي وإعداد جيش دائم يدافع عن دول الاتحاد، وإعلان الحرب، وفي شؤونها الداخلية كسك العملة مع تعهد دول الاتحاد بالتزامها مقدماً بكل قرارات تصدر من هذه الهيئة مادامت صادرة في حدود اختصاصها ولو كانت صادرة بالأغلبية المنصوص عليها في ميثاق الاتحاد، وتصبح لقراراتها الصفة الإلزامية تجاه جميع دول الاتحاد ومنها الدول التي لم توافق على تلك القرارات، وذلك حتى نتفادى الضعف والفشل الذي حدث في تجاب الاتحادات السابقة، فقوة الاتحاد في مدى إلزامية قراراته وليس في وجوده أو توصياته، وبذلك تكون هذه الدولة حققت لشعوبها ما تصبو إليه وفي ذات الوقت حافظة على خصوصياتها، ولكن ماذا عن إرادة تلك الشعوب تجاه إقامة الاتحاد فهل تنصهر إراداتها في إرادة حكامها أم يتعين العودة إلى إراداتهم باعتبار أن هذا الإتحاد سيمس البعض من سيادة دولهم وحقهم في تقرير مصيرهم. فحقيقة أن تلك الدول تتمتع بدساتير ونظام أساسي خاص بهم يتعين العودة إليه حتى نعي ما هي الأداة القانونية التي سيتم بها الانضمام إلى الاتحاد، فعلى سبيل المثال ما نصت عليه كل من المادة «70» من دستور دولة الكويت لسنة 1962 والمادة «37» من دستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002، ونص المادة «68» من الدستور القطري الدائم لسنه 2004، حيث أكدوا بما لا يدع مجالاً للشك وبصيغ متطابقة بأن هذا النوع من الاتحادات يكون الموافقة عليها بقانون من الجهة المنوط بها القيام بالتشريع لا يكون عبر الاستفتاءات كما يعتقد البعض فمعاهدات الصلح والتحالفات، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة كل من الدول الثلاث أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلا لقوانين يجب نفاذها أن تصدر بقانون. وأما من يقول عكس ذلك فهو أما أنه لا يقرأ أو لا يفهم فمع صراحة نصوص تلك الدساتير لا يجوز الاجتهاد فالتعويل على ما حدث للدول الأوربية من استفتاءات لبعض الدول للانضمام للاتحاد الأوربي فالأمر يعود لما هو منصوص عليه في دساتير تلك الدول التي تم استفتاء شعوبها وهو اختلاف مع الفارق وليس لديمقراطية تلك الدول، فأي أهدار لقيمة تلك النصوص هو إهدار لإرادة شعوبها التي توافقت عليها تحت أي مسمى كان عقديا أو استفتاء دستوريا، فقيام الاتحاد الخليجي لا يتوقف إلا على إرادات قياداتها وبرلماناتها التي أودعت فيها الشعوب ثقتها وآمالها باعتبار أن العملية التشريعية وما تتضمنها من سن قوانين تتوقف على إراداتهم دون غيرهم.