Monday, May 28, 2012

الانتخابات الرئاسية المصرية.. الموقف الصعب والمستقبل الغامض

فوزية رشيد
هي الديمقراطية في مصر بعد الثورة، وهي الانتخابات الحرة التي شهد لها المراقبون بالنزاهة، وهي النتيجة التي جعلت من مرشح الاخوان المسلمين في وجه مرشح النظام السابق، وحصول «محمد مرسي» على ٢٤,٩% من الأصوات، فيما «أحمد شفيق» حصل على ٢٤,٥% منها، مما يجعل من جولة الإعادة في هذه الانتخابات مرشحة إلى فوز أي منهما، مثلما هي مرشحة إلى تحالفات من خرج منها مثل «أبوالفتوح» المرشح السلفي، و«حمدين صباحي» ممثل التيار الناصري الجديد، و«عمرو موسى» وزير الخارجية في النظام السابق قبل أن يترأس الجامعة العربية، أما المترشحون الآخرون فكانوا تقريبا خارج المشهد.
اذا كانت الانطباعات العامة الأولى في مصر، من جانب كل التيارات، هي الشعور بالمفارقة والصدمة، فان هذا الشعور تحول في اليوم التالي مع كتابة هذا الموضوع (السبت ٢٦/٥) إلى احساس جارف بالموقف الصعب لدى كل التيارات وعلى رأسها التيارات المحسوبة على الثورة، لأن الموقف الصعب هذا أوجدته الارادة الشعبية نفسها في الانتخابات، وبما يخالف تطلعات المحسوبين على الثورة، الذين كانت أول مطالبهم مع اسقاط النظام، هي الديمقراطية والانتخابات الحرة، وهذا ما حدث فظهرت تلك النتائج، مما يلجم كثيرا أي تيار أو أي صوت، وهو يتخبط في الموقف الصعب ان يطعن فيما افرزته الارادة الشعبية المصرية رغم مفارقتها ورغم صدمتها للكثيرين ورغم صعوبة الاختيار فيها.
فتلك القوى المحسوبة على الثورة لا تريد الاخوان المسلمين ان يسيطروا على الحياة المصرية، ليبنوا الدولة الدينية على انقاض الدولة المدنية، التي كانت رغم التباسها مع حكم العسكر من خلال ثلاث رئاسات بدأت بـ «عبدالناصر» ليأتي بعده «السادات» ثم يختتمها «مبارك»، وفي ذات الوقت لا يريدون وجها محسوبا على النظام السابق بعد ان قاموا بثورتهم لإسقاطه واسقاط رموزه.
وفي الموقف الصعب نشطت ـ منذ اعلان النتائج الأولية ـ الفضائيات العربية والاقليمية والدولية، وخاصة تلك الناطقة بالعربية، مثلما نشطت مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية في مصر وغيرها، لا لتحليل اسباب ظهور تلك النتائج، وانما لمحاولة التأثير في الوعي المصري العام، وجر الارادة الشعبية نحو استقطابات بعينها، أو حتى الدعوة إلى مقاطعة «جولة الاعادة الرئاسية»، فلا هذه ولا تلك، بل نشطت معها تصريحات المترشحين الذين لم يصلوا إلى معركة الاعادة، فهناك من يستعيد تصريحات الاخوان المسلمين بأنه في حالة فوز «شفيق» فانهم سينزلون بالسلاح إلى الشارع، وهناك تهديدات بعض شباب الثورة بالخروج في مظاهرات احتجاجية، وهناك من ينتظر تطمينات من الاخوان المسلمين في حالة وصول ممثلهم إلى الرئاسة بالحفاظ على نمط «الدولة المدنية»، وهناك من طالب «أحمد شفيق» بالتنازل «لحمدين صباحي»، ومن طالب بذلك هو «عمرو موسى»، وهناك من طالب بحكومة «ائتلاف وطني» من الاخوان المسلمين من القوى التي صعدت، وان يكون ذلك قبل التحالف معهم في التصويت، أي مع الاخوان، في جولة الاعادة، وهناك من اصبح يرتب لصفقات سياسية مع «مرسي» أو «شفيق» مغزاها (اذا أردت أن اكون معك فماذا تعطيني؟)، وهناك من طالب بايقاف جولة الاعادة وتقدم بالطعن في الانتخابات نفسها، كالذي تقدمت به حملة «حمدين صباحي»، وهناك من اراد توجيه التهم إلى الاعلام والمال السياسي، ودورهما في تضليل الارادة الشعبية وتوجهاتها، إلى آخر تلك التهويشات من ردود الفعل، التي جعلت من نتائج هذه الانتخابات الرئاسية مليئة بالمفارقات ايضا في اليوم التالي لظهورها، وخلاصتها انها لم تعبر في الأخير عن نقلة نوعية حقيقية وايجابية، في الحياة السياسية المصرية.
كل ردود الفعل تلك لم تتأمل الحدث جيدا، ولم تبحث عميقا في السبب وراء بروز وتصدر الاخوان المسلمين من جهة وممثل النظام السابق تحديدا من جهة اخرى، ليكون المنافس الاقوى للإخوان. لم يبحث هؤلاء ان كان الشعب المصري مثلا خلال عام ويزيد لم ير سوى النتائج السلبية من الذين تصدروا واجهة السياسة المصرية من مختلف القوى، مثلما افتقدوا الأمن والاستقرار اللذين كانا سمة الحياة المصرية عبر العصور فتدهورا في الآونة الأخيرة وبعد الثورة، ولمس مع افتقاده الأمن نزول الاقتصاد المصري إلى الحضيض، ومحاولة تلاعب القوى الاقليمية والدولية (ايران وأمريكا والغرب) بالمصير والمستقبل في مصر، بل حتى حين وصل الاخوان المسلمون إلى البرلمان بشقيه لم يقدموا النموذج الذي كان يتوقعه حتى مناصروهم، مثلما اصابوا بالخوف كل التيارات والقوى والمكونات المخالفة لمنطلقاتهم، لذلك نزل رصيدهم في الأصوات الانتخابية عن انتخابات البرلمان إلى النصف، ولا يهم بعدها صعود (مرسي).
الموقف الصعب في نظر القوى المحسوبة على الثورة جعلهم يقولون: (اذا كان شفيق قد فاز بالفلول، فان مرسيا قد فاز بالزيت والسكر)، وفي هذا ايضا مجرد بحث على هامش ما افرزته الارادة الشعبية المصرية في الديمقراطية التي تم فتحها لها، مثلما هو بحث عن مشجب لتعليق اخطاء من قاموا بالثورة، والتبعات المخيفة التي نتجت بعدها وخاصة انعدام الأمن، والتدهور الاقتصادي، ووصول من كان يهدد بتغيير الحياة المدنية والاجتماعية المصرية، ورغم ذلك تصدر ممثل الاخوان المسلمين النتائج بناء على رصيدهم الشعبي السابق، وكشفت هذه الانتخابات من جهة اخرى عن حنين غامض إلى الأمن والاستقرار اللذين وعد بهما (أحمد شفيق) مما يجعل القوى المحسوبة على الثورة ـ وهي في موقفها الصعب اليوم ـ وجوب ان تعيد قراءة أوراقها، ونوع ادائها، وان تكون هي بالدرجة الأولى مخلصة لروح الثورة وتطلعات الشعب المصري والذي يريده هذا الشعب، وهذا ما سنتركه للغد.