Monday, May 28, 2012

الإشكالية الشرعية في حزب ولاية الفقيه

صباح الموسوي
بعد أن صدر حكم ارتداد محمد بن مكي العاملي، الذي كان أول من قال بنظرية ولاية الفقيه من قبل وكلائه وأعوانه وجمع كبير من علماء وشيوخ الإسلام، حاولت سلطة المماليك في دمشق منحه الفرصة للعودة عن رأيه، حيث إن العادة المتبعة حسب المذهب الشافعي آنذاك كانت تقضي بترك المرتد أو الزنديق عاماً واحداً في السجن قبل إعدامه على أمل أن يتوب ويرجع عن ذنبه، وقد طبق هذا الأمر على ابن مكي. وقد حاول أحد قضاة دمشق ويدعى برهان الدين الشافعي إنقاذ ابن مكي من خلال الإفتاء باستتابته، إلا أن قاضي القضاة رفض هذه الفتوى وأمر بإعدام بن مكي، وبناء على ذلك تم في اليوم التاسع من جمادي الأول لسنة 786هـ ضرب عنق أول من قال بنظرية «ولاية الفقيه» ونصب نفسه نائباً للإمام الغائب. يتبين من مراجعة المصادر التاريخية التي تناولت هذا الموضوع، وأغلبها مصادر شيعية ومن أبرزها كتاب «هجرة علماء الشيعة من جبل عامل إلى إيران في العصر الصفوي» لمؤلفه مهدي فرهاني منفرد، أن محمد بن مكي لم يكن مجرد فقيه ديني شأنه شأن أي فقيه آخر، بل إن الرجل كان يحمل مشروعاً سياسياً ذا بُعد عقائدي يهدف من خلاله للوصول إلى السلطة عن طريق إثارة العصيان والثورة المسلحة، وهذا قد يفسر سبب عدم تبني أغلب مراجع الشيعة التقليديين لنظرية ابن مكي العاملي «ولاية الفقيه المطلقة» طوال العقود التي أعقبت مقتله، وذلك لقناعة هؤلاء المراجع أن هذه النظرية مناقضة لأصول العقيدة إضافة إلى استحالة تحقيقها. لقد ربط الخميني مشروع تصدير الثورة بموضوع ولاية الفقيه المطلقة، وعمل النظام الإيراني على تأسيس تنظيمات وأحزاب عديدة في الدول العربية والإسلامية على قاعدة الإيمان بولاية الفقيه المطلقة، وقد اعترف أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصر الله أثناء أحداث بيروت الدامية في مايو 2008م بذلك صراحة حين قال «يتصورون أنهم يهينوننا عندما يقولون حزب ولاية الفقيه، إني أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه»، وهذا يؤكد مرة أخرى أن «نظرية ولاية الفقيه» ليست مسألة فقهية دينية إنما هي حزب سياسي يبيح لنفسه استخدام كافة السبل والوسائل لتحقيق غايته. لكن الأمر الذي يبعث على الاستغراب ليس في كلام حسن نصر الله أو من هو على شاكلته من الذين قدموا مصلحة إيران ونظامها على مصلحة أوطانهم وشعوبهم، فهؤلاء جميعاً أبناء مدرسة واحدة ويصرحون حول ولاية الفقيه وغيرها من العقائد والأفكار وفقاً لمقتضيات مصالحهم الحزبية والطائفية الضيقة، لكن ما يثير الاستغراب هو كلام ومواقف ممن يدعون أنهم خارج هذه المدرسة الطائفية وأنهم وطنيون متنورون، غير أن الواقع أثبت أنهم دعاة متحمسون لحزب ولاية الفقيه، وهؤلاء لا يدركون، أو أنهم يدركون لكن يتعمدون التظاهرة أنهم لا يدركون، أن التشيع الذي تسعى إيران إلى نشره ليس المذهب الفقهي الذي يتخيله الناس على أنه مجرد مذهب فقهي، فما تسعى إليه إيران هو نشر «حزب ولاية الفقيه المطلقة»، الذي أعدم أول مؤسس له وهو محمد بن مكي العاملي بتهمة الارتداد والزندقة، وفي هذا فرق كبير بين أن تدعو لتطبيق أهداف حزب سياسي متأبط بسلاح الطائفية وبين الدعوة لمذهب فقهي. فإن لم يدرك هؤلاء المتنورون الفرق بين الاثنين فهذه مصيبة، وأما إذا كانوا يدركون فالمصيبة أكبر وأعظم، لأنهم بذلك يكونون قد تحولوا إلى دعاة لحزب ولاية الفقيه الذي من أبسط من يسعى إليه إقامة حكومات طائفية تابعة للإمبراطورية الفارسية الجديدة، ولعل ما هو حاصل في العراق ولبنان يغني عن الشرح