Monday, May 28, 2012

مصر بين مطرقة الإخوان وسندان الجيش

عبيدلي العبيدلي
قالت صناديق الاقتراع كلمتها التي حسمت معركة الانتخابات الرئاسية في مصر بجولة ثانية يخوضها مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، بعد صراع مع النظام المطاح به تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي، ضد مرشح الجيش المصري، إن جاز لنا القول، أحمد شفيق الذي تجاوز كثيراً من حواجز حرمانه من حق المشاركة في الانتخابات بوصفه أحد بقايا النظام السابق. بعيداً عن التحالفات التي يمكن أن تنسج بين القوى التي خسر ممثلوها في الجولة الأولى، وبغض النظر عن الانحيازات التي يمكن أن تنشأ في الجرف القاري لخارطة القوى السياسية المصرية، سيجد الناخب المصري نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: مرسي أم شفيق على مستوى الأفراد، والإخوان أو الجيش على المستوى السياسي. نخلص إلى ذلك بسبب الطبيعة الذاتية لواقع النظام المصري أولاً، وللشروط الموضوعية التي يفرضها عليه واقعه الجغرو- سياسي ببعديه الإقليمي والدولي ثانياً. فعلى المستوى الذاتي، لا يمكن لمصر أن تطيل من فترة أي شكل من أشكال الفراغ السياسي المفتقد لنظام حاكم، يسير الأمور في البلاد، بغض النظر عن طبيعته. ينغرس ذلك عميقاً في تاريخ تطور المجتمع المصري يصل إلى الفراعنة، إذ تحتاج مصر، دوماً، إلى نظام حكم قائم مستقر يدير دفة الأمور فيها. تؤكد ذلك الدراسة الجغرافية الأنثروبولجية الموسوعية التي وضعها الراحل جمال حمدان التي صدرت في كتاب حمل عنوان “مصر: جغرافية المكان”. لا يعني ذلك الاستقرار، خمول المجتمع المصري، بقدر ما يؤكد حاجته إلى حسم أموره، وسرعته في اختيار النظام الذي يعتبره الأفضل، أو القبول به في حال تسلم قواه المسيطرة على السلطة. أما على الصعيد الموضوعي الإقليمي، فقد أفرز تطور الأوضاع في الشرق الأوسط على امتداد العامين المنصرمين، حالات تغيير حسمت الأمور فيها كما هو الحال في تونس وليبيا، وأخرى مايزال مآل الصراعات فيها غير ناضجة، كما هو الحال في اليمن وأكثر منه في سوريا، ومن ثم فمن الصعب، أن تسمح الظروف الموضوعية ببروز حالة ثالثة، وبالحجم السياسي، بل وحتى الاقتصادي الكبير التي تمثله دولة بحجم مصر. طبيعة العلاقات الشرق أوسطية وكذلك الأفريقية، لا تبيح، لمصر موضوعياً، إلا أن تحسم أمورها، بغض النظر عن من يتولى السلطة فيها. وعلى الصعيد الموضوعي أيضاً، ليس في وسع العلاقات الدولية المرتبطة بترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط، أن تتحمل عدم الحسم في الساحة المصرية، مع حرصها على أن تكون لها كلمة مؤثرة في اتجاه ذلك الحسم. ليس المقصود هنا الفهم الآلي الساكن الذي يعتبر كلمة تلك القوى القول الفصل، لكن لا ينبغي إغفال العامل الدولي عند الحديث عن ترتيب الأوضاع في مصر، سواء لثقلها الذاتي، أو لحجمها الإقليمي الشرق أوسطي. انطلاقاً من كل ذلك، وبناء على الخارطة السياسية التي انتهت إليها نتائج انتخابات الجولة الأولى من الانتخابات، سيجد المواطن المصري نفسه موضوعياً أمام الخيارين اللذين نتحدث عنهما، وهما: مطرقة الإخوان وسندان الجيش. مطرقة الإخوان لعدة أسباب الأول هو الآخر ذاتي، مصدره كون الإخوان يستحوذون على الغالبية العظمى في البرلمان المصري المنتخب مؤخراً، الأمر الذي يعني أن شكلاً من الحكم غير الديمقراطي في انتظار ذلك المواطن، رغم أن الإخوان صرحوا في بداية التحول نحو الديمقراطية، بعد الإطاحة بحكم الرئيس مبارك، أنهم سيتحاشون الوصول إلى هذه المعادلة التي تجعلهم أمام خيارات صعبة، بين ما نادوا به، وما أصبحوا يمارسونه. أما على الصعيد الموضوعي، فسيجد الإخوان نفسهم أمام خيارات صعبة ومعقدة، لعل الأكثر تعقيداً فيها هو العلاقة المتوازنة المطلوب نسجها مع الكيان الصهيوني ذات الأبعاد الثلاثة: الأول هو عقائدي يتعلق بالموقف من المعاهدات التي تربط بين مصر والعدو الصهيوني، وفي القلب منها الموقف من القدس الشريف، فكيف ستعالج حكومة الإخوان في حال فوزهم هذه المسألة على الصعيد الإعلامي، دع عنك العقائدي. أما الثانية فهي ذات طابع سياسي/ تنظيمي، وهو الموقف من حركة حماس، بما يعني ذلك المعابر من الجهة المصرية، وعلاقات حماس مع السلطة الفلسطينية، ومواجهاتها الصدامية ذات الطابع العنيف، بغض النظر عن حجمها، مع العدو الصهيوني من الجهة الإسرائيلية. أما الثالث فهو ذو بعد اقتصادي، والمقصود به النظام الاقتصادي الذي ستخاطب به الدولة المصرية القادمة المؤسسات الدولية، وإلى أي مدى سيلتزم بالقيم الإسلامية. جميع هذه العوامل، وربما أخرى غيرها، لكنها أقل أهمية وحضوراً في الوقت الحالي، من المتوقع أن ترغم الإخوان على تقليص هوامش الحريات وتضييقها على المواطن المصري، كي يتسنى لهم تثبيت دعائم حكمهم، من أجل اتخاذ القرارات التي يرونها مناسبة لضمان استمرارهم في السلطة، بكل إغراءاتها السياسية. هذا يرغم الإخوان على الاستعانة بالمطرقة، إن هم أرادوا إحكام قبضتهم على مقاليد الحكم. أما بالنسبة لسندان الجيش، فمن الطبيعي أن يتمسك به أحمد شفيق، وهو ابن المؤسسة العسكرية، بكل ما تحمله من علاقات وثيقة مع أجهزة ومؤسسات النظام السابق، وبالتالي، فليس في وسع شفيق، أن يتنصل من تلك العلاقات، أو أن يتملص منها، بغض النظر عن تصريحاته التي أعقبت إعلان نتائج الجولة الأولى التي حاول فيها إثبات أنه في حالة طلاق مع القديم، وأنه لن يكون هناك عودة إلى الوراء، ودعوته لفتح صفحة جديدة. فمن الطبيعي أن تكون مؤسسة الجيش، بكل تشعباتها المالية والسياسية والاجتماعية، هي التي حملت شفيق إلى الجولة الثانية، ومن ثم فمن غير الطبيعي أن تقبل بهزيمة خاضت هي معارك، بعد أن حضرت هي كل مقومات نجاحها، انتصاراتها. هذا يعني حرمان شفيق من حقه في عدم إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، الأمر الذي ينذر بصدامات داخلية، يصعب في هذه المرحلة رسم معالمها، لكنها تدفع شفيق إلى الاستعانة بسندان الجيش لحسم المعارك الداخلية في صفوفه لصالحه شخصياً، وصالح الجناح العسكري الذي ينتمي إليه مؤسساتياً. ومن الناحية الموضوعية، ستطالب القوى التي حاولت إسناد حكم مبارك قبل خلعه، والتي من الطبيعي أن يكون لها هي الأخرى مساهمات في إيصال شفيق إلى الجولة الثانية، وإلى الحكم في حال فوزه فيها، شفيق بدفع فواتير ذلك الدعم المنظور وغير المنظور. سيجد شفيق حينها نفسه أمام خيارت صعبة ومعقدة، ففي حال إرضاء مطالب تلك القوى، ربما يؤدي ذلك إلى تأليب الرأي العام الداخلي عليه، إن هو أصر على كسب رضاها، وإلا فعليه أن يهيئ نفسه لتسديد فواتير سياسية باهضة الثمن، ربما لا يكون قادراً على تحملها. هذا دون إغفال الفواتير الدولية الأخرى، سياسية واقتصادية، التي سيرثها من النظام السابق، لكونه، في نظر الدائنين، امتداداً طبيعياً له. هنا سيجد شفيق نفسه مضطراً مرة أخرى إلى اللجوء إلى السندان العسكري الذي أشرنا له. ملخص القول، إنه بعيداً عن من سينجح في الجولة الثانية، سيجد المواطن المصري نفسه مرة أخرى محصوراً بين مطرقة الإخوان أو سندان الجيش.