Monday, May 28, 2012

حكم مصر.. قيود وضوابط فرضها الشعب

السيد زهره
هناك حالة من الإحباط الشديد تشعر بها قطاعات واسعة جدا من الشعب المصري بسبب نتائج الانتخابات المعلنة حتى الآن، التي جعلت رئاسة مصر محصورة بين الاخوان المسلمين ورمز من رموز النظام السابق، أي من الفلول بالتعبير الشعبي.
بالطبع، هذه الحالة من الإحباط مفهومة ولها ما يبررها تماما.
الشعب المصري فجر ثورة كبرى هي ثورة ٢٥ يناير وقدم فيها آلاف الشهداء والجرحى، واسقط النظام السابق من اجل إقامة نظام جديد عادل ونزيه وديمقراطي يعيد الى المواطن كرامته ويحقق له العيش الكريم ويحترم ارادته ويبني دولة قوية معافاة.
ومعنى ان تنحصر قيادة مصر بين هذين التيارين فقط هو ببساطة ان الثورة تمت سرقتها لحساب قوى ليست في نهاية المطاف محسوبة على الثورة وتيار التغيير, ليس هذا فحسب، بل ان هناك مخاوف حقيقية لها ما يبررها تماما من انه في ظل حكم أي من التيارين، فإن البلاد يمكن ان تعود الى عهد من الاستبداد.
وبشكل عام، لسان حال قطاعات واسعة من الشعب المصري هو: هل قمنا بهذه الثورة وقدمنا كل هذه التضحيات كي ينتهي الأمر بأن يؤول حكم مصر إلى الاخوان أو الفلول؟!
لا شك انه من المحبط جدا بالنسبة الى قطاعات واسعة جدا من الشعب المصري بعد الثورة وبعد كل التضحيات التي قدمها الشعب، الا يكون تيار الثورة والتغيير حتى طرفا في انتخابات الرئاسة المصرية.
ومع ذلك، وفي كل الأحوال فان نتائج الانتخابات فرضت واقعا جديدا في الحياة السياسية المصرية لا يستطيع احد تجاوزه. هذا الواقع الجديد ينطوي على جوانب ايجابية عدة من زوايا مختلفة.
ولذلك، القضية اليوم انه أيا كان من سيفوز بالفعل في نهاية المطاف بمنصب الرئيس، فإنه لن يكون مطلق السراح ليفعل ما يشاء. سيكون عليه ان يحكم في حدود القيود التي فرضها الواقع الجديد الذي أرسته نتائج الانتخابات، وفرضته الثورة قبل ذلك.
بعبارة أخرى، يمكن القول ان الشعب المصري وعبر نتائج الانتخابات فرض قيودا ووضع ضوابط على طريقة حكم مصر، وعلى الحياة السياسية في البلاد عموما.
وبشيء أكبر من التفصيل، فإن الأمر هو على النحو التالي:
أولا: وفقا لنتائج الانتخابات لم يعد بمقدور أي قوة سياسية على الاطلاق ان تزعم ان لديها الغلبة في الشارع، أو ان لها تفويضا شعبيا مطلقا من الشعب حتى لو جاء الرئيس من بين صفوفها.
مرشح الاخوان المسلمين مثلا لم يحصل إلا على نحو ربع أصوات الناخبين. وإذن، حتى لو فاز هذا المرشح في النهاية بالرئاسة لا يستطيع ان يزعم ان لديه تفويض شعبي كامل. فهذه هي حدود شعبيته في الشارع.
ثانيا: ومعنى هذا، فإن نتائج الانتخابات أثبتت ان أي قوة على الاطلاق لا تستطيع ان تحكم مصر منفردة، وليس من حقها ذلك أصلا.
بعبارة أخرى، فإن أي رئيس يفوز برئاسة مصر، ليس من حقه ان يحكم فقط بالاستناد إلى رؤى ومواقف الجماعة أو التيار الذي ينتمي إليه. وليس من حقه ان يتجاهل القوى الأخرى.
لو فاز مرشح الاخوان مثلا، لا يستطيع ان يزعم ان لديه تفويض بان يحكم مصر وفق رؤى وأفكار جماعة الاخوان، أو ان يزعم ان من حقه تطبيق أفكار وبرنامج الجماعة فقط. ونفس الشيء ينطبق على أي رئيس قادم من أي اتجاه أو تيار آخر.
ثالثا: ويترتب على ما سبق انه أيا كان الفائز برئاسة مصر فانه لا يستطيع ان يحكم مصر هو وفريق تياره فقط.
بعبارة أخرى، بحكم ما أظهرته نتائج الانتخابات، ليس من حق أي رئيس ان يستبعد من حكم مصر ممثلي القوى والتيارات الأخرى التي أثبتت النتائج انها تحظى بحضور في الشارع لا يقل في نهاية المطاف عن حضور التيار الفائز أيا كان.
بعبارة ثانية، نتائج الانتخابات أثبتت انه أيا كان الفائز بالرئاسة، فانه لا يمكن حكم مصر إلا بالتوافق بين القوى والتيارات الأساسية في المجتمع، وليس بالتوافق العام فقط، وانما بالشراكة الفعلية.
رابعا: ولا بد ان نضيف إلى كل ما سبق حقيقة ان الشعب المصري بعد الثورة، لم يعد الشعب الذي يمكن ان يصمت أو يقبل بأي شيء يفرض عليه من أي رئيس أيا كان ومن أي حكم أيا كان.
نعني انه في كل الأحوال، سوف يبقى التحرك الاحتجاجي الشعبي السلمي في الشارع هو من اكبر القيود المفروضة على أي رئيس في ممارسته للحكم.
الذي نريد ان نذهب إليه هو ان هذه الضوابط والقيود التي فرضها الشعب وأظهرتها نتائج الانتخابات، وقبل ذلك القيود والضوابط التي رسختها الثورة نفسها، أسقطت فكرة الحاكم المستبد بالسلطة، وأسقطت ظاهرة الرئيس الذي يستطيع ان يقرر منفردا ما يشاء أو يفعل ما يشاء أيا كان التيار الذي ينتمي إليه.
على الأقل هذا هو ما نظنه ونأمل فيه. ففي نهاية المطاف، في السياسة ليس هناك أي شيء يمكن الجزم به بشكل مطلق.