Wednesday, May 30, 2012

الضمير العالمي في إجازة

عبدالله الكعبي
بيانات الشجب والاستنكار التي صدرت من بعض دول العالم وليس كله على ما ارتكبه النظام السوري الدموي بحق المدنيين العزل في قرية الحولة في ريف حمص والتي راح ضحيتها العشرات من الأطفال والنساء، يؤكد على أن الضمير العالمي لازال في إجازته المفتوحة التي أخذها منذ زمن بعيد ولم يعد بإمكانه العودة لعمله لمراقبة ومحاسبة الجزارين الذين أوغلوا في طغيانهم وغاصوا حتى أذنيهم في دماء البشر.
لا ننتظر بالطبع أي ردة فعل من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لا يمكن أن تحركه مثل تلك المذابح التي رأينا مثلها الكثير في العراق وأفغانستان طوال سنوات العقد الماضي وأمثالها في البوسنة والهرسك والشيشان في آخر عقود القرن المنصرم وفي فلسطين على أيدي اليهود على مدار أكثر من ستين سنة كانت قد سبقتها الكثير من المجازر على أيدي المستعمرين الأوروبيين الذين تحكموا في رقاب أهل الشرق لسنوات طوال قتلوا فيها وشردوا ونهبوا وأسهموا وحتى وقتنا الحاضر في زرع القنابل الموقوتة سواء بشرية أو حدودية والتي تتسبب بين الحين والآخر في إذكاء الصراعات في المنطقة.
العالم الصليبي عندما اضطر صاغراً أن يقدم اعتذاره عن المذابح المزعومة ضد اليهود من قبل النازيين ودفع ما دفع من تعويضات إرضاءً لللوبيات اليهودية المنتشرة في جميع أنحاء العالم، لم يعامل المجازر التي ارتكبت في حق العرب والمسلمين على يد المستعمرين بالمثل وإنما امتنع وفي كبرياء عن الاعتراف بها واعتبار الضحايا أنهم مجرد قطعان من الحيوانات أو مجموعة جرذان لا قيمة لها. فخطأ القياس الذي فرق بين قتلى مذابح النازية وقتلى الاستعمار الغربي يتواصل اليوم ليحصد المزيد من الضحايا من دون أن يتحرك أحد لتغيير آلية ذلك القياس الظالم الذي وضعت أسسه الدول الكبرى من أجل كتابة فصل جديد من فصول البشرية يقوم على مثل تلك الممارسات غير الإنسانية بالرغم من إنهم يصفون هذا العصر بعصر حقوق الإنسان والدفاع عنه وعن حقه في الحياة الكريمة التي امتهنوها بالكامل.
أعمال يندى لها الجبين ترتكب الآن في سوريا يسكت عنها بشكل مريب. فما جرى من مجازر في عموم سوريا وفي الحولة على وجه الخصوص حتى وإن غضضنا الطرف عن الفاعل وعن هويته ودوافعه، فلا يوجد مبرر للسكوت على هذه الأعمال التي تم فيها تقطيع الأطفال وتقييد أياديهم قبل ذبحهم وغيرها من الأعمال الوحشية التي لا اعتقد أن الوحوش في البراري قامت بها سابقاً. ما تم في الحولة كان من المفترض أن يحرك الضمير العالمي ولو بشكل جزئي انتصاراً للطفولة والبراءة التي انتهكت أمام مرأى كل المنظمات الدولية التي تتباكى في كل يوم على حقوق الإنسان المهدورة ولكنها تصمت صمت القبور عندما يبلغ الأمر هذا الحد المخيف من الاستهانة بحق البشر في الحياة.
التمادي في الصمت لا اعتقد أنه حل يمكن أن يوصل من يقف وراء هذه المجازر ويدعمها إلى النهاية التي يبتغيها. فالدم الذي يراق اليوم في سوريا بغزارة لن يكون سوى ثمناً لتبدل المعادلة وتحولها لصالح أصحاب الدم الذين لن يستطيع أحد بعد ذلك أن يمنعهم من أخذ ثأرهم من النظام المجرم والشبيحة وكل المقاتلين القادمين من وراء الحدود ( إيران – العراق – لبنان ). فالتحرك المضاد الذي يتوقع أن تقوم به القوى الكبرى التي ستتدخل عندما يتحول ميزان القوة لصالح الشعب السوري لا أظنها ستنفع في منع امتداد الحريق إلى بقية الدول المجاورة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما يجري في سوريا من مثل إسرائيل ولبنان والعراق. وحينها فقط سيكون الأمر أكثر تعقيداً من اليوم ولن تكون مجازر اليوم سوى نزهة صغيرة أمام ما يمكن أن يجرنا إليه المشهد الحالي من دموية بالغة الخطورة يصعب السيطرة عليها أو حتى ردعها ولو استخدمت ضدها كل أنواع الأسلحة الفتاكة.
سوريا ليست العراق ولا هي تشبه لبنان في شيء. سوريا عبارة عن شعب كامل متجانس يقاتل اليوم ضد نظام دخيل لا ينتمي إليها ولا إلى شعبها، وهي بالتالي موعودة بالنصر المؤزر مثلما انتصرت في السباق على الصليبيين على يد صلاح الدين وعلى المغول في عهد المماليك.