Wednesday, May 30, 2012

الحولة وصمة عار في وجوه القتلة

عبدالله الأيوبي
من السهل على الأطراف الخارجية ذات الصلة بالصراع الدموي الذي تشهده الجمهورية العربية السورية الشقيقة منذ أكثر من أربعة عشر شهرا أن تلقي باللائمة أو حتى توجه الاتهام للقوات النظامية السورية أو للجماعات المسلحة المناوئة لها فيما يتعلق بمجزرة بلدة الحولة التي راح ضحيتها أكثر من مائة مواطن بمن فيهم أطفال ونساء، فهذه الجريمة البشعة ليست سوى واحدة من إفرازات الصراع الذي تطور إلى هذه الدرجة من العنف ودخول أطراف خارجية لها مصلحة في عدم استقرار سوريا والمنطقة بشكل عام، على خط الصراع من خلال تسهيل وتمويل ونقل السلاح إلى داخل الأراضي السورية لحساب جماعات تصر على انتهاج أسلوب العنف في تعاطيها مع الصراع السياسي هناك.
قبل كل شيء لا يمكن لصاحب ضمير أن يقف متفرجا على الأعمال الإجرامية التي تحصد يوميا عشرات المواطنين السوريين، بسبب استمرار الصراع المسلح ولجوء أطراف الصراع إلى استخدام مختلف أصناف الأسلحة، ناهيك عن دخول جماعات إرهابية على خط الصراع وتنفيذها العديد من الجرائم على غرار تلك التي استهدفت التجمعات المدنية في العراق بعد جريمة الغزو الأمريكي لهذا البلد عام ٢٠٠٣ وتحول العراق إلى مرتع لهذه الجماعات ومن ثم مصدر لها إلى الكثير من دول الجوار بما فيها سوريا حاليا.
فيما يتعلق بمجزرة بلدة الحولة، فإن أيا من أطراف الصراع يمكن تصديق ضلوعه في ارتكابها، وبالقدر الذي لا يمكن استبعاد قيام قوات النظام بارتكاب هذه المجزرة، بغض النظر عن الأهداف التي تخطط لتحقيقها من وراء ارتكابها، بالقدر نفسه من المرجح أيضا أن تكون أطراف في «المعارضة» السورية، وخاصة تلك المحسوبة على تنظيم القاعدة الإرهابي تقف وراءها، للوصول إلى هدف طالما طالبت به، وهو جر المجتمع الدولي للتدخل العسكري في هذا البلد.
هذه المجزرة تمثل نقلة نوعية دموية في الصراع، وهي قد تكون بداية الدخول في الحرب الأهلية الشاملة التي من شأنها أن تقضي على أخضر سوريا ويابسها، والمسئولية الإنسانية والأخلاقية تستدعي تضافر الجهود للحيلولة دون انتقال الوضع السوري إلى هذه المرحلة الخطرة، ولكن ذلك يجب ألا يكون على حساب الضحايا الذين سقطوا في مجزرة الحولة، كونها تمثل أخطر جريمة جماعية تحدث في سوريا حتى الآن، وبالتالي من المهم العمل على فتح تحقيق محايد لكشف الطرف الذي يقف وراءها ومحاسبة المسئولين عن ارتكابها، وليس مجرد إطلاق الاتهامات التي لا تستند إلى أدلة دامغة تدين هذا الطرف أو ذاك.
النظام السوري ـ كغيره من الأنظمة الشمولية غير الديمقراطية ـ يمارس كغيره من تلك الأنظمة مختلف أساليب القمع والتنكيل بمعارضيه، بما في ذلك التصفيات الجسدية والاغتيالات وشتى أصناف التعذيب في المعتقلات والسجون، فمثل هذه الأنظمة لا تتردد لحظة واحدة عن ارتكاب أبشع الجرائم لحماية مصالحها السياسية، وما ينطبق على النظام السوري وأشباهه من الأنظمة، ينطبق أيضا على الجماعات الإرهابية التي أثبتت على أرض الواقع أنها لا تتردد لحظة واحدة عن سفك دماء الأبرياء والتنكيل بجثثهم، فشواهد العراق ماثلة للعيان، كما تمثل أمامنا الآن النماذج السورية حيث التفجيرات الإرهابية تضرب العديد من الأحياء المدنية.
ولكن مهما تكن هناك من اختلافات في المواقف السياسية من الوضع السوري، سواء من نظام الرئيس بشار الأسد أو من الجماعات المناوئة للنظام، وخاصة المسلحة منها، فإن ما يحدث للمواطنين السوريين، من جانب القوات الحكومية أو من قبل الجماعات المسلحة هو جريمة بكل المقاييس، بعيدا عن درجة مساهمة هذا الطرف أو ذاك في هذا الوضع المأساوي، فالذي يحدث في سوريا الآن لا يخدم مستقبل الشعب السوري ولا تطوير العملية السياسية هناك، بل على العكس من ذلك فإن هذا التصعيد وتعمد بعض الأطراف الخارجية تأجيج الوضع من خلال إغراق سوريا بالأسلحة، كل ذلك من شأنه أن يقود إلى تدمير المجتمع والدولة السوريين.
وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: «المهم الآن إنجاح خطة كوفي عنان لوقف اندفاع سوريا نحو حرب أهلية، أما مسألة الحكم فيحددها الشعب السوري»، لكن هناك جهات مختلفة لا تريد أن تسير سوريا نحو هذا الطريق، وإنما تعمل على صب الزيت على النار وتأجيج الصراع كي تدخل سوريا النفق نفسه الذي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية العراق إليه وفرضت عليه أثمانا باهظة لم يقدر على التخلص منها حتى الآن، مثل هذه النتائج لا تبني أوطانا قوية ومجتمعا متماسكا مبنيا على احترام جميع مكوناته العرقية والدينية.