Wednesday, May 30, 2012

ما الذي يحتاج إليه الشعب المصري

فوزية رشيد
بعد ظهور نتائج أول انتخابات رئاسية حرة في مصر، وبما أنتجته كما قلنا من مفارقات وصدمة وموقف صعب للقوى والتيارات المحسوبة على الثورة، فان الجزء المفقود في معظم التحليلات التي رافقت تلك النتائج، هو البحث ليس عن مفارقة النتائج بحد ذاتها، وانما الحصول على إجابة دقيقة وعميقة حول لماذا أفرزت الإرادة الشعبية تلك النتائج؟
وبمعنى آخر ما الذي يريده الشعب المصري اليوم وبعد الثورة؟
ما الذي يحتاج إليه؟ ومن الذي يتماس مع إرادته واحتياجاته؟
لماذا تم الصعود بوجه من النظام السابق في انتخابات حرة تماما، شهد لها القاصي والداني بذلك وبالنزاهة والشفافية؟
الشعب المصري الذي خرج بالملايين في الشوارع أيام الثورة، واستجاب لنداءات وشعارات من سموا شباب الثورة، لم يفعل ذلك اعتباطا، ولم تجتمع كل أطياف ومكونات ونسيج المجتمع المصري حول الإرادة الثورية آنذاك الا لأسباب حقيقية وعميقة عاناها هذا الشعب وأراد بإرادته أن يغير مجرى حياته السياسية، وكان فقط بانتظار من يوجهه إلى استخدام تلك الإرادة، التي حققت انتصارها في إطار شعبي سلمي حقيقي، والمرة الأولى في التاريخ المصري منذ آلاف السنين، وحيث كانت (ثورة ٥٢) ثورة الجيش أو ثورة نخبوية في أحد وجوهها، تحولت بعدها إلى التفاف شعبي حولها وبشكل منقطع النظير لتحقيق مبادئها الثورية.
الشعب المصري غير معني في عمقه وجوهره، بفذلكة أو مشاحنات القوى السياسية التي تصدرت عقودا سابقة مجرى الأحداث السياسية، ودخلت المشهد بعدها القوى الشبابية التي حركت الثورة ثم وبطريقة غامضة خرجت من المشهد السياسي المؤثر وغابت تماما عن ترشيح ممثل لها في الانتخابات الرئاسية لتترك للقوى السابقة الدخول من بوابتها بل الصعود على أكتاف تلك الثورة.
ولعل خيبة الأمل في الوجوه التي استعادت بعض حيويتها باسم الثورة والتي تصدرت المشهد السياسي مجددا كان أحد المعوقات، فبقدر ما كان النظام السابق يعاني الأخطاء، بقدر ما كانت تلك القوى السياسية التي كانت تسمي نفسها المعارضة السياسية تعاني أيضا الأخطاء والقصور بل الجمود، إلى جانب الكثير من الانتهازية والوصولية، وما تصدر الاخوان المسلمين ذلك المشهد الا بسبب غياب القوى الوطنية إلى جانب اللعب على الوجدان الديني الأصيل لدى المصريين، ولكن بتوجيهه نحو الحسابات الاخوانية في الاستحواذ على السلطة.
أن يأتي «أحمد شفيق» كمنافس يكاد أن يقسم الأصوات الانتخابية بالنصف، فذلك دليل على خيبة أمل الشعب المصري، فيمن اختطفوا الثورة وحولوها لمصالحهم الخاصة أو لصالح تياراتهم التي لم تستطع فيما سبق تمثيل الإرادة الشعبية المصرية بشكل حقيقي.
هكذا كشف المصريون من خلال النتائج الرئاسية حقائق غائبة عن اذهان من حرك الثورة أو يحسب نفسه عليها، فإلى جانب افتقاد الأمن، وإلى جانب تدهور الاقتصاد المصري، وإلى جانب انتشار الفوضى والجريمة، وتردي الأحوال المصرية إلى نقطة أصعب مما كانت عليه قبل الثورة، وإلى جانب اهتزاز الصورة المصرية القوية في علاقاتها العربية والإقليمية والدولية، فان الشعب المصري الباحث في ذات السياق عن كرامته وحريته وإرادته، كان يتطلع فيمن حوله إلى ما نسميه (الإخلاص الثوري) سواء للثورة ذاتها أو له كشعب، ولم يكن يهمه من يتحدث عنه وباسمه ثم يعمل لحساباته السياسية الخاصة، أو لحسابات تياره الايديولوجي والسياسي فيما الوضع الشعبي يتدهور يوما بعد يوم، ولذلك فان صعود «الإخوان المسلمين» كان بدهيا بقدر كبير نتيجة تأثيرهم السابق وليأخذ أصحابه فرصة الممارسة السياسية «السلطوية»، ويظهر بعدها تيارهم على حقيقته ومدى مصداقية تمثيله للايديولوجيا الدينية التي يتبناها (الإسلام السياسي) أو مدى مصداقية تمثيله للتطلعات الشعبية التي تمس حياة الشعب المعيشية والاقتصادية وبناء مصر القوية في كل الجوانب.
ولكن المفارقة وغير البدهي أن يعود الشعب المصري ليؤازر بصوته الانتخابي وجها من وجوه النظام السابق ليجعله المنافس الحقيقي لسطوة الإخوان المسلمين الكبيرة في الحياة السياسية المصرية وفي مشهد مصر ما بعد الثورة.
هذا على وجه الدقة ما يحتاج إلى تحليل المحللين وخاصة في ظل واقع مصري جديد، لم تتضح فيه صورة النظام السياسي، ولم تنجز القوى والتيارات المصرية كتابة بنود الدستور الجديد، الذي يحدد صلاحيات أي رئيس قادم سيحكم مصر، ولأن الخوف المصري كبير وحقيقي في حالة لو فاز الإخوان المسلمون، أو هو خوف على الأقل غالبية الشعب المصري بضياع ملامح الحياة المدنية اذا جاء الرئيس منهم، فهو من سيشكل الحكومة، إلى جانب الاستحواذ على البرلمان المصري بشقيه، فانه في ظل هذا الصعود وفي ظل الاضطراب السياسي الراهن، تصبح الحرية مفتوحة لكي تصوغ هذه القوة الجديدة الداخلة في السلطة ورئاستها الحياة السياسية والاجتماعية في مصر بشكل قد يتراجع معه حتى ما حققه الشعب المصري من بعض المنجزات قبل الثورة وأهمها التنوع والتعددية في الحياة المصرية.
أي رئيس قادم فهو اليوم وغدا أمام تحديات داخلية وخارجية كبيرة، بل ربما أمام تحديات لم تعهدها مصر قبل اليوم، فالديمقراطية في النهاية ليست هي الحل، وانما هي وسيلة من وسائل الحصول على الحلول، ومعالجة أسباب التدهور الاقتصادي، وتراجع الدور المصري، والتأسيس لسياسة خارجية لا تخرج عن إطار استعادة المكانة المصرية عربيا واقليميا ودوليا، إلى جانب تحقيق العدالة والتنمية وتأسيس نظام ديمقراطي سليم والحفاظ على المدنية والتنوع والتعددية، مسائل صعبة، فهل «مرسي» الأقرب إلى تحقيق ذلك أم «شفيق»؟ هذا ما ستفرزه جولة الإعادة وتجربة الواصل إلى حكم أم الدنيا.