Thursday, May 10, 2012

المسألة الطائفية بين السنة والشيعة

بوزيدي يحيى
تطرح في المنطقة العربية حاليا المسألة الطائفية بين السنة والشيعة بشكل كبير في الأوساط السياسية والإعلامية نظرا لبروزها كأهم محدد سياسي في هذه المرحلة يدفع للحديث عن هلال شيعي رغم عدم بلوغه درجة التكامل الإستراتيجي، فإنه يوجد خيط متين يجمع بين كل عناصره، والإشكالية التي يطرحها الموضوع تكمن في تضارب المصالح الإقليمية والدولية واستثمارها في كل الأوراق المتاحة الأمر الذي يترتب عليه خلط في القضية والتعتيم على بعض زواياها خدمة لتلك الأطراف.
إذ يتفق الجميع على أن إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بشكل عام وراء (أو على الأقل يفيدهم) تأجيج هذه الصراعات التي تعيد من خلالها رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد خدمة لمصالح إسرائيل ومن ورائها مصالح الغرب حيث يعمل على تقسيم ديني للمنطقة تشكل فيه دول على أسس دينية تماشيا مع رغبة الكيان الصهيوني بتعريف دولتهم على أنها دولة يهودية، غير أن تحديد طبيعة هذا الدور وحدود مسؤولية كل طرف فيه هي محل خلاف وجدال، وغالبا ما يكون أهل السنة والجماعة الضحية الأولى لهذا الواقع كما يدلل عليه الوضع السوري اليوم، حيث تدعي كل الأطراف الخارجية والداخلية حرصها على الأقليات مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران والمجلس الوطني السوري ممثلا في رئيسه برهان غليون.
وحتى النظام الذي حذر من حرب أهلية في حين أنه مرّت أكثر من سنة والأخير ماض في تقتيل أبناء الشعب السوري معتمدا في ذلك على الشبيحة والأجهزة الأمنية التي لا يخفى على أحد انحدارها من العلويين دون أن يتدخل ما يصطلح عليه بالمجتمع الدولي لوقف المجازر الطائفية ويريد بدلا من ذلك ضمانات مسبقة لهذه الطائفة أو تلك ممن دماؤهم تنزف والأسوأ من ذلك أن يساير من يفترض به تمثيلهم الغرب ويتحدث عن وجود متطرفين إسلاميين بين الثوار.
المسألة في إطارها السني
نظرا لسيطرة الاتجاهات العلمانية على وسائل الإعلام والثقافة وحتى مراكز الأبحاث في الكثير من الدول العربية فإن هذه التيارات هي التي تتصدر لقراءة المسألة الطائفية في الجانب السني!! وقدمت إجابات أخذت بشكل شبه قطعي وأصبحت حقائق من كثرة تداولها رغم أنها لا تعبر بشكل حقيقي عن المنظور السني للقضية، إذ أن الرؤية العلمانية تنطلق من ممارسات فردية تربط بفتاوى العلماء بطريقة انتقائية المقصود منها محاولة تقديم الأطروحة العلمانية على أنها العلاج الحقيقي للمشكلة وأن الرؤية الدينية هي السبب في الأزمة، في حين أن المتمعن في الاجتهادات السنية يجد أنها تنطلق من أحكام ثابتة ومؤصلة متعلقة بموقف الشرع من الانحرافات العقدية دون أن يعني ذلك الاعتداء على المخالف في بدنه أو ماله أو شرفه فضلا عن حياته لأن حرمة دم الإنسان بغض النظر عن دينه وملته هي من الثوابت التي لا تتجاوز، والشيعي ليس استثناءً من ذلك وهذا ما أكده الشيخ عدنان العرعور في نداءاته لكل الطوائف في سوريا مبينا أن حقوق الجميع محفوظة وفي مقدمتهم العلويون الذين لم يشاركوا النظام جرائمه انطلاقا من قوله عز وجل : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الزمر: 7].
والمسألة في سياقها الديني ليست محصورة على السنة والشيعة ولا المسلمين وحدهم فهي موجودة في كل الأديان ولا شك أن الكل يرى أن دينه هو الأصح ويرى أن غيره في ضلال. والنشاط الدعوي السني سواء الموجه إلى جمهور أهل السنة والجماعة لتحصينهم أو إلى جمهور الشيعة فإنه يقوم على حب الخير لهم والشفقة عليهم (باستثناء الذين يمارسون القتل والتنكيل بحق أهل السنة كميليشيات جيش المهدي وفيلق بدر في العراق، والشبيحة النصيرية في سورية، وغيرهم من المجموعات الطائفية المسلحة المعتدية)، وهو أيضا خطاب يرجو هدايتهم إلى سواء السبيل بتحذيرهم من علمائهم الذين ضلوا وأضلوا بكشف كل ما تحتويه العقيدة الشيعية من ضلالات جعلت الشيعة أدوات بيد مراجعهم الذين امتصوا أموالهم وبلغ بهم ذلك حد التقاتل وحرق مكاتب الوكلاء من أجل فتح الفروع في مناطق النفوذ كما حصل مؤخرا في العراق بين مقلدي السيستاني والصرخي.
لكن لما يقوم الطرف الآخر بممارسة أفعال ضد أهل السنة من منطلقات طائفية فإنه يحق لأهل السنة أن يوضحوا تلك الأمور لأمتهم ويكشفوا الحقائق التاريخية لتبيان خطر هذه الفرق على الأمة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الطائفية تبرز عندما  تمارس السلطة (حكومة أو جماعة منظمة) سياسات إقصائية وتهميشية مبنية على أسس وخلفيات مبدئية من الطرف الآخر المختلف معه في الدين أو بعض المعتقدات وقد لا تقتصر تلك الممارسات الممنهجة على الإقصاء و التهميش، بل تتعداهما إلى المنع من ممارسة الطقوس والشعائر الدينية بوسائل مباشرة أو غير مباشرة وقد تصل إلى حد التعدي على أهم حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة.
وعلى هذا الأساس فإن متابعة الأحداث تكشف على أن من يقوم بهذا وينطلق من خلفيةٍ هدفُها الأخير إلغاء الآخر جملة وتفصيلا هي تلك الجماعات الشيعية كما حصل في العراق بعد الاحتلال الأمريكي وفي سورية اليوم، فإن النظام الأسدي كشف عن خلفيته الطائفية أيضا في طريقة تعامله مع الثورة والتي كان يغطي عليها بشعار المقاومة والممانعة.
أما التكفيريون السنة الذين تحاول بعض الأصوات تعميم فكرهم على كل أهل السنة والجماعة، فإضافة إلى أنهم يكفرون السنة ابتداء وأول من اكتوى بنارهم وضحاياهم هم أهل السنة أنفسهم ووقوف العلماء منهم موقفا حاسما وحازما، فإن الظاهرة التكفيرية عموما هي استثناء في الحالة السنية وأصل في الحالة الشيعية، وذلك لأنه في حين ينطلق السنة في قراءتهم للتاريخ من أن ما جرى بين الصحابة وفي مقدمته الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما على أنه اجتهاد من الطرفين وأن عليّاً كان اجتهاده هو الصحيح وأكثر من ذلك فهي "دماء طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا".
وأما الشيعة فإنهم ينطلقون من مسائل أبعد من هذا بكثير حين يتهمون الصحابة بداية بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بأنهما أول أعداء آل البيت ويصفون أهل السنة والجماعة بالنواصب وينعتونهم بأحفاد بني أمية بما تحمله هذه الكلمة من معانٍ ودلالات ثأرية وانتقامية يؤسسون لها من لحظة استشهاد الحسين رضي الله عنه في كربلاء، فمن يستحضر التاريخ ويجعل منه طقسا دينيا مثل يوم عاشوراء وغيرها من المناسبات وعندما يمتلك السلطة والقوة فإن أول ما سيفكر فيه هو تحقيق ما عمل عليه أسلافه من قبل وما يحفزه على ذلك أكثر أن مهديه المنتظر صاحب الزمان سيعجَّل فرجه ويُبارك أعماله.
موقع إيران من المسألة
تقرر الدراسات المختصة أن الشيعة في الخليج العربي في مرحلة الخمسينات والستينات وحتى السبعينات كانوا يميلون إلى النشاط ضمن التيارات اليسارية، وفي لبنان أيضا يؤرخ للحركات الشيعية التي اتجهت إلى العمل السياسي انطلاقا من خلفية دينية بعد تأسيس موسى الصدر حركة أمل ومع نجاح الثورة في إيران سنة 1979 ووصول الملالي إلى الحكم هناك، حيث اندفعت القوى الشيعية المتأثرة بالخمينية إلى محاولة محاكاة ثورته في بلدانها، ولم يقف نظام الجمهورية الإسلامية مكتوف الأيدي أو يكتفِ بتشجيع تلك الحركات فقط بل عمل على فتح فروع لها ودعمها بمختلف الوسائل والتنسيق بينها لمدِّ نفوذه في المنطقة ومحاولة تأسيس أنظمة شبيهة بنظامه وخاضع لسلطته تمهيدا لظهور المهدي المنتظر.
من هنا تبرز إيران في المسألة الطائفية في هذا العصر كأهم مؤجج لها، غير أن الإشكال يكمن في نفس التيارات التي تنظر إلى الاتجاهات والحركات الإسلامية السنية من منظور ديني بحت وتتهمها بالطائفية في حين تحاول قراءة المشهد الإيراني من زاوية مختلفة، وهذا ما يعكس  التناقض في الموقف من إيران!!
فمثلا يرى الدكتور هاني فارس أن إستراتيجية الأمن القومي التي اعتمدتها الولايات المتحدة تعتبر إيران وتحالفها مع سوريا وحماس وحزب الله أعداء للمصالح الأمريكية في المنطقة، ولمواجهة هذه الحلف جمعت الإدارة الأمريكية الحكومات العربية الموالية لها تحت أيديولوجية حرّكتها الدوافع الإثنية والطائفية، ويقول في نفس الدراسة إن الإدارة الأمريكية اعتمدت في سعيها وراء أهدافها الإقليمية عددا من أدوات السياسة لتسهيل مهمتها أهمها التحريض على الاضطراب المدني واستغلال الطائفية.
وفي حالة العراق اندمجت الأداتان، وهو يرى أن هناك سلسلة متصلة بين ما يجري في العراق ولبنان وفلسطين وأنه لن يتم تحقيق الاستقرار في المنطقة إلا إذا حلت النزاعات الثلاثة، وهنا التناقض فبما أن إيران لها نفوذ كبير في العراق فمصدر قوته هو الأحزاب الشيعية، فوفق ما جاء في تقرير حالة الأمة العربية (2006- 2007) "تحظى إيران بالذات بنفوذ سياسي ومذهبي واستخباري ومالي، فضلا عن تأثيرات على ميليشيا فيلق بدر وعلى أطراف في الحكومة العراقية بحكم التقارب العقدي والمذهبي ناهيكم المصالح الخاصة"( ) وهذا يدل على أن إيران وظفت الطائفية واستغلتها على غرار الولايات المتحدة، وإذا كان المشروع الأمريكي شاملا ومتكاملا فإن المشروع الإيراني لا يختلف عنه من حيث الأهداف والوسائل ولا يمكن تجزئته.
والحالة العراقية رغم تجلي البعد الطائفي الإيراني فيها منذ اليوم الأول للاحتلال لم تكن مقنعة بالنسبة للكثير من النخب السياسية والفكرية العربية حتى بداية الثورة السورية حيث لم يعد هناك مجال للتغطية على الخلفية العقدية التي تحرك القوى الشيعية في المنطقة.
ويكون تساؤل ياسر الزعاترة يحمل بين طياته إجابة عن موقع إيران من المسألة حين يقول: "إذا كانت البحرين التي تعيش جزءاً من منظومة خليجية (بغالبية سنية)، هي عنوان الثورة في وعي إيران وحلفائها رغم أن الشيعة فيها لا يصلون بحال 60 % من السكان، فهل يكون ثلاثة أرباع سكان سوريا طائفيين حين يثورون على نظام دكتاتوري فاسد؟"!( ).
الموقف من الحوثيين بأثر رجعي
الموقف الإيراني من الحوثيين لا يخرج عن هذا الإطار فهو جزء من الخطوط العريضة للمشروع الإيراني في بعده الطائفي وذلك لأن الإعلام الإيراني كان ينظر لحرب صعدة على أنها محاولة للقضاء على أتباع مذهب آل البيت في اليمن بتآمر سعودي، وبغض النظر عن أسباب الحرب وأخطاء النظام اليمني السياسية فإنه لا أحد يستطيع النفي أن الحوثيين لم يحرموا من المشاركة السياسية إذ كانت لديهم مقاعد في البرلمان إلا أنهم انسحبوا منه وتبنوا الخيار المسلح، وهذا يتنافى مع ما كانت تصوره الفضائيات الإيرانية وعلى رأسها الكوثر والعالَم، والمنار التابعة لحزب الله إضافة إلى دعم بعض الأحزاب الشيعية العراقية للحوثيين وفتح مكتب لهم هناك وتبرير ذلك بوجود بعض البعثيين من النظام السابق في اليمن.
والربط بين هذه الحلقات والسلوك الإيراني في العراق يبرر على الأقل التوجس من الهلال الشيعي الذي ظهرت الكثير من ملامحه بعد احتلال العراق (وليس قبله) ويحمل الدول العربية على عدم الاطمئنان لكل الدعوات الإيرانية للتعاون وصياغة أمن المنطقة من جهة والتعاون لتجاوز الاحتقان الطائفي والعمل على الوحدة الإسلامية من جهة أخرى إذ لا يتناسب مع الوقائع والأحداث التي تسجل يوميا في الاتجاهين تكون البصمات الإيرانية حاضرة فيها.
بعدما تفجرت الثورة السورية تبين أن تلك التوجسات العربية لم تأت من فراغ حين سخرت إيران كل إمكاناتها للدفاع عن النظام النصيري هناك ودفعت بعملائها في العراق إلى تنحية خلافاتهم مع دمشق جانبا ومساعدته في إجهاض الثورة وقد تحدثت تقارير إعلامية مؤخرا عن سعي بعض القوى الشيعية العراقية إلى حد تشكيل جيش من المتطوعين للقتال إلى جانب قوات بشار الأسد اصطلح عليه (جيش الحسين) والاسم لوحده يعبر عن الجوهر الطائفي.
الخلاصة
المتأمل في حقيقة وواقع الإشكال الطائفي يجد أن من يمارسه هو الفِرق الطائفية وأبرزها الشيعة التي خرجت على الأمة الإسلامية (أهل السنة والجماعة) خاصة عندما تتمكن من الوصول إلى السلطة، وحتى لا تستعدي الأمة تغلف نفسها بعناوين وشعارات عامة وفي المنعطفات الحاسمة التي يفترض أن تعبر عن التعاون والتآزر الإسلامي فإن الشيعة (والمقصود هنا بشكل أدق مَن يقفون في قمة الهرم السلطوي الديني والسياسي كالحكومات أو الأحزاب والمرجعيات) يسهمون في إحداث الشرخ في الأمة وتشتيت طاقاتها وقدراتها بإلهائها بمعارك داخلية خدمة لأعدائها.
ومما يؤكد أيضا أن المسألة دينية بالدرجة الأولى وليست مسألة حقوق سياسية واجتماعية هو مواقف تلك الأحزاب الشيعية في لبنان والعراق والبحرين والكويت التي لم تتجاوز الإطار الطائفي ولم يسجل لها أي موقف واضح وصريح في تاريخها ضد نظام ولاية الفقيه في إيران بما في ذلك القضايا الوطنية فضلا عن القضايا العربية وأكثر من ذلك فإنها كرست كل حقوقها وأموالها ومناطق نفوذها لخدمة مشروعه الديني.

المصدر: الراصد