Thursday, May 10, 2012

الديمقراطية المقدسة عندهم

م. سعيد الفرحة الغامدي
"الديمقراطية" ثقة تُمنح ممّن يملكها لمَن يستحقها ويثبت أهليته لها وتُسحب عندما تتوفر القناعة بأن الوقت قد حان لتغيير الأحصنة
مرة بعد أخرى تثبت التجربة الديمقراطية -عند الديمقراطيين- أنها الخيار الأمثل في عالم تسوده الخلافات والتنازع المستمر على السلطة والمصالح عبر الحدود الدولية ولكنها في الداخل سيّدة الموقف.
مشهد الانتخابات الفرنسي وقبله الانتخابات البريطانية يثبت أن منهج التربية على قبول النتائج عندما يكون الخيار للشعب في جو آمن وبدون إكراه.. ينحني الخاسر لإرادة الأغلبية وينسحب ويهنئ خصمه، ويتمنى له التوفيق، ويقول لأتباعه: لقد حاولنا جهدنا ولكننا لم نَحُز على رضا الأغلبية، وعلينا احترام وقبول النتائج وتحمل المسؤولية والتعاون مع الخصوم من أجل الصالح العام حتى يحين الوقت لخوض معركة جديدة، وبعد مراجعة الحسابات واكتشاف نقاط الضعف وتصحيح الأخطاء التي جعلت الأغلبية تعرض عن منح ساركوزي ورفاقه ثقتها.
تلك هي لعبة الديمقراطية أو المشهد الانتخابي.. ثقة تُمنح ممن يملكها لمن يستحقها ويثبت أنه أهل لها.. وتسحب عندما تتوفر القناعة لدى الأغلبية بأن الوقت قد حان لتغيير الأحصنة ومنح الفرصة لوجوه أخرى.. المنتصر يحتفل بالنصر بطريقة حضارية.. والمهزوم يقبل النتائج ويهنئ خصمه ويعيد النظر في حساباته.. يتعلم من الأخطاء ويستفيد من تجارب الغير.. بطريقة حضارية أيضا.
والسؤال: كيف وصل الغرب لهذا النموذج الذي أصبح مقدسا لديهم، ولا يجرؤ أحد على التنكر له إلا في إطار إجراءات مكتوبة يحكمها القانون وتضمن حق الجميع بدون اللجوء للعنف والاحتراب كما هو الحال في بعض الدول التي لم تتخذ من الديمقراطية منهجا لحياتها السياسية.
والمهم في عملية التغيير نوعية البرامج المطروحة على الناخب ليضع صوته للحزب أو الشخص الذي يرى أن برنامجه الانتخابي هو الأقرب لتطلعاته ويخدم الصالح العام حسب محصلة رأي الأغلبية.
وفي حالة الإخفاق يتم الحساب بالطرق السلمية في انتخابات أخرى بالتصويت ضد الشخص أو الحزب الذي لا يفي بوعوده، ولو سُئل الناخب الإنجليزي أو الفرنسي عن رأيه في الفائز سيرد بأن «لديهم فرصة لإثبات فعالية برامجهم وفي حالة إخفاقهم سيقول الشعب كلمته في تنحيتهم بالطرق السلمية مثلما حصل لسلفهم».
تداول السلطة يتم بأسلوب حضاري.. القادم يحتفون به.. والمغادر يودع بكل احترام وتقدير لجهوده.. وذلك لا يعفي أحدا من المساءلة في حالة ارتكاب أي مخالفة قانونية أثناء القيام بمهام عمله في مقعد السلطة.
والتجربة بكاملها تعتمد على التربية والتعلُّم من الصِغَر، فالمجتمع المتعود على قبول نتائج الانتخابات وتداول السلطة بالطرق السلمية يقبل النتائج له وعليه، ولا يعتبر الهزيمة عارا عليه وعلى أتباعه.. ولكنه ينظر إليها كتجربة يتعلم منها ويتجنب الأخطاء التي جعلته يخسر الرهان.. والرابح يقبل التحدي ويتعهد بأن يوجه كل جهوده لخدمة الجميع.
المال العام محفوظ بقوة القانون.. وحقوق المواطن محفوظة حسب النظام.. والأمن مصان بقوة النظام.. والتركيز منصب على تحسين الأوضاع الاقتصادية والتنمية ودفع عجلة التقدم والتطور إلى الأمام من أجل تخفيض معدلات البطالة، ورفع معدلات الإنتاج والعائدات، وتحسين مستوى الدخل القومي بصفة عامة.
كل هذه الأمور تبدو منطقية ولا يختلف عليها العقلاء لأنها مُجرّبة ونتائجها أفضل من أي نموذج آخر، وكم من سائل: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتبع دول أخرى هذا النهج لدفع عجلة التطور لتعم المنفعة على مجتمعاتها ويسود الأمن والاستقرار؟!
والإجابة عن هذا السؤال تكمن في أن تلك المجتمعات ارتقت إلى مرحلة النضج من خلال إبرام (ماجنا كارتا Magna Carta) والعقد الاجتماعي (جان جاك روسو Social Contract) وتجارب تراكمية أوصلتها إلى المستوى الذي تتطلبه الممارسة الديمقراطية.. وارتضت بذلك منهجا بعد أن مرت بتجارب قاسية حتى أصبحت خياراتها واضحة ولا تقبل الحياد عنها.
والقراءة السليمة للتجارب الديمقراطية في الدول الغربية تدل على أن المشوار طويل بالنسبة للعالم العربي، والخيارات واضحة لمن يعمل من أجل التطوير والتقدم، ومن سار على الدرب وصل.. والله من وراء القصد.