Thursday, May 10, 2012

المشروع الشيعي

د. محمد مورو
الحديث عن موضوع الشيعة عموماً، والمشروع الشيعي خصوصاً في هذا الوقت بالذات يحمل أكثر من مضمون واتجاه وهدف، فمما لا شك فيه أن هناك رغبة أمريكية في تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة، ومن ثم فإن بعض الحديث يصب في تلك الخانة، ولكن السكوت وعدم قول الحقيقة كاملة حسب اجتهاد الشرفاء يصب أكثر في تلك الخانة، لا بد في هذا الموضوع من الشفافية والمصارحة والمكاشفة، وإلا فإننا ندفن رأسنا في الرمال.
 وفي الحقيقة فإن الذي أثار الموضوع الشيعي والمشروع الإيراني بقوة على الساحة هو انحياز القطاع الأكبر من شيعة العراق إلى الاحتلال الأمريكي، وهذا في حقيقة الأمر أثار الذاكرة التاريخية حول الدور المريب للشيعة وتحديداً الشيعة الإمامية الاثنا عشرية " في التآمر على الدولة الإسلامية أو التحالف مع أعداء الأمة فضلاً عن ممارسات مرفوضة ومريبة قامت بها الشيعة الإسماعيلية وامتداداتها من الحشاشين وغيرهم.
يجب أن نطرح الأسئلة الحرجة وغير الحرجة ويجب أن نجيب عليها بلا حساسية وبلا لف أو دوران، هل هناك مشروع شيعي حقاً، وهل يختلف المشروع الشيعي عن المشروع الإيراني؟ هل المشروع الشيعي أو الإيراني أخطر على الأمة أم المشروع الأمريكي الصهيوني، كيف نتعامل مع هذه المسألة؟ وفي حالة الصدام بين الأمريكان والإيرانيين مثلاً ففي أي خندق نقف؟!. وما هي المشكلة في المذهب الشيعي عموماً، والإمامية الاثنا عشرية خصوصاً؟!.
بداية فإن الشيعة من زيدية وإمامية وإسماعيلية يمثلون أقلية داخل الأمة الإسلامية ويبلغ عددهم من 10 - 15 % من المسلمين(*)، ومن ثم يجب التعامل معهم في هذا الإطار، خطورة المسألة الشيعية أنها ارتبطت في اللحظة الراهنة بعدد من العوامل أعطت للمسألة حجماً كبيراً، منها غياب المشروع السني إلى حد كبير، والصحيح أن نقول غياب الكيانات السنية القادرة على حمل مشروع إسلامي غير طائفي من الطبيعي أن يكون السنة هم الطرف الأكبر والفاعل فيه، ومنها أن الظروف خدمت دولة إيران خدمة هائلة، فالاتحاد السوفيتي على حدودها تفكك وكذا قام الأمريكان بضرب كل من طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق أي أن إيران أصبحت الدولة الأقوى -الوحيدة تقريباً- في محيطها ما عدا تركيا.. ثم مصر وإسرائيل بعيداً إلى حد ما، وهذا أعطى للإيرانيين الأمل في التمدد وتحقيق حلم فارسي أو إيراني أو شيعي!!. أو السعي لكي تصبح إيران دولة عظمى إقليمياً، ومنها ارتفاع أسعار البترول وزيادة الدخل الإيراني بما يسمح بالإنفاق على المشروع الإيراني أو الشيعي أو الحصول على سلاح نووي أو تقليدي، وقد نجحت إيران بالفعل في تحقيق تقدم كبير في تصنيع السلاح التقليدي وفي المجال النووي أيضاً.
وهكذا فنحن أمام خطر حقيقي بسبب وجود الفراغ!!.
ومن ثم فإن المنطقة تشهد صراعاً بين مشروعين، المشروع الأمريكي الصهيوني، والمشروع الإيراني أو الشيعي، ولكن المشكلة الحقيقية بالنسبة للمشروع الشيعي أو الإيراني أنه لا يملك إمكانيات تحقيق طموحه إلا بالتفاهم مع الأمريكان، ومن ثم فإن المشروع الشيعي -وهو غير المشروع الإيراني وإن كان متداخلاً معه- قام على فكرة إمكانية التحالف مع الأمريكان، وكان يقود ويمثل هذه الفكرة المجلس الأعلى العراقي بقيادة آل الحكيم، وكذا رموز من حزب الدعوة العراقي " المالكي والجعفري وغيرهما "، ويقف المرجع الشيعي آية الله السيستاني مع هذا المشروع بقوة، وهؤلاء تحركهم فكرة أن الشيعة ظُلموا تاريخياً وينبغي الحصول على حقوقهم ولو بالتعاون مع أعداء الأمة، وهذه النقطة تذكرنا بالدور الذي لعبه الشيعة تاريخياً في التحالف مع أعداء الأمة وكذلك الدور الصفوي ضد الدولة العثمانية.
على أي حال فإن عبد العزيز الحكيم حاول مراراً وتكراراً التوفيق بين الأمريكيين والإيرانيين ولكن هناك عوامل حالت دون ذلك، كما يقوم السيستاني بمحاولة نشر المذهب الشيعي في بلاد السنة واستخدام أموال البترول العراقي في هذا الصدد، ولكن يحول دون ذلك أن المذهب الشيعي يعتمد على أفكار غير عقلانية مثل عصمة الأئمة، وأن عددهم 12 وكأن عمر الدنيا 300 سنة مثلاً، وأن المهدي -الإمام الأخير لهم- دخل جباً وغاب وينتظرون عودته، ويبدو أنهم اضطروا إلى تلك الحكاية حتى لا ينتهي الأئمة دون قيام الساعة ومن ثم يظهر فساد مذهبهم!!.
ما يمنع الاتفاق بين الإيرانيين والأمريكان ليس عدم رغبة الإيرانيين في ذلك، بل إن الإيرانيين يمارسون أسوأ أنواع البراجماتية وهم مستعدون للتفاهم مع الأمريكان، ولكن على حد قول علي لاريجاني مسئول الملف النووي الإيراني فإن الأمريكان ليسوا مستعدين لدفع ثمن حقيقي للتفاهم، وفي رأيي فإن إيران على استعداد للتخلي عن الملف النووي الإيراني وعلى استعداد أن تبيع حزب الله، ولكن في مقابل أن تطلق أمريكا يدها في الخليج فتسيطر على تلك المنطقة البترولية وتقيم إمبراطورية شيعية في إيران والعراق والبحرين وأجزاء من السعودية والكويت... الخ، ولكن أمريكا ترفض ذلك؛ لأن هناك مصالح بترولية للشركات الأمريكية التي تمتلك نفوذاً واسعاً في الإدارات الأمريكية المختلفة؛ ولأن هناك أجندة لليمين الأمريكي المحافظ تتعارض مع هذا الأمر، وهكذا فإن المشروع الشيعي لا تزال أمامه عقبات كبيرة وليس له مستقبل في التفاهم مع الأمريكان على المدى القصير، ولعل من المفيد أن نفترض مثلاً أنه حدث تفاهم بين الأمريكيين والإيرانيين، وتحقق بالفعل المشروع الشيعي، فهذا معناه وجود فتنة كبيرة على السنة، ومعناه أيضاً ضياع الأمة الإسلامية لمدة قد تصل إلى 50 سنة، ومعناه أن الغرب سوف يحقق عن طريق هذا المشروع تواجداً في كل العالم الإسلامي واقتسام الغنائم مع الإيرانيين، وهذا على حساب الأمة طبعاً، وبعد فترة ربما لا تزيد عن 10 سنوات سوف تتفكك إيران ذاتها لوجود أقليات سنية وعرقية داخلها، وبسبب التآمر الغربي عليها الذي لن يتوقف رغم التفاهم، وهكذا فإن المشروع الشيعي هو خطر على الأمة، وخطر على إيران ذاتها وهو مشروع تفكيك وتجزئة الأمة بامتياز.
من الطبيعي أن ما يمنع التفاهم هو الغباء الأمريكي أولاً، ثم حزب الله ثانياً، ثم الخلاف على المصالح البترولية ثالثاً، ثم الملف النووي رابعاً، وبديهي أنه لا دور لنا في الغباء الأمريكي -وربما يكون هذا من رحمة الله بأمة الإسلام- ولكن ينبغي أن نزيد في تفاقم الخلاف بين الطرفين وليس العكس، ورغم أن حزب الله ورقة إيرانية شيعية في النهاية، إلا أن التفاهم الأمريكي الإيراني سيكون على حساب حزب الله، وفي تلك الحالة لن تتورع إسرائيل عن تصفية الحزب ومحاكمة قادته؛ لأن اليهود كما هو معروف لا يتركون ثأرهم قط، وكذا فإن تركيبة المنظومة القانونية الأمريكية ستجعل من المستحيل على أي حكومة أمريكية منع أي مواطن أمريكي من طلب محاكمة قادة حزب الله على قتل أمريكيين "عملية المارينز سنة 1983 مثلاً" ومن ثم فإن الاتفاق الإيراني الأمريكي لن يحول دون مصير أسود لقادة حزب الله وعناصره، ومن ثم فإن حزب الله ليس من مصلحته التفاهم الأمريكي الإيراني، وفي الإطار ذاته فإن علينا أن نتخذ موقفاً غير مزدوج المعايير، نحن مع المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل، نحن مع المقاومة الصومالية، والمقاومة الفلسطينية، والمقاومة العراقية والمقاومة الأفغانية، بل هذه المقاومات هي جنين المشروع الإسلامي غير الطائفي في المنطقة في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني والمشروع الإيراني والمشروع الشيعي... الخ، وإذا وقع عدوان على إيران من أمريكا وإسرائيل فنحن مع الشعب الإيراني؛ لأن هذا واجب أخلاقي وإنساني قبل أي شيء. ومن ثم تصدقنا جماهير الأمة، فلا نكون مزدوجي المعايير مثل الإيرانيين، التي تقف في لبنان موقفاً هو عكس الموقف في العراق، فتقف ضد حكومة السنيورة بدعوى موالاتها للغرب "أمريكا وفرنسا" وتؤيد حكومة المالكي الموالية للاحتلال في العراق.
بالطبع فإن فهم الموقف الإيراني يقتضي قدراً من التركيب، فإيران في المحصلة النهائية تريد التفاهم مع الأمريكان، ولكنها تجمع أوراقاً في يدها استعداداً للصدام أو التفاوض، ومن ثم فيمكنها أن تمول وتسلح الجيش العراقي والشرطة العراقية المعادية للمقاومة والموالية للاحتلال، ويمكن أن تدعم على العكس حركات مقاومة داخل العراق أو تحرض أطرافاً من القوى العراقية على مشاغبة أمريكا قي نفس الوقت الذي تتفاوض مع الأمريكان في العراق، وهذا سلوك مفهوم، وهو الإمساك بكل الأوراق المتعارضة ما أمكن ذلك.
ولعل من المفيد هنا أن نقول أن في إيران أكثر من اتجاه يختلف عن بعضه البعض في التكتيك ولا يختلف في الاستراتيجية، ويعمل كل منهم منفرداً، مثلاً اتجاه الإصلاحيين الذي يدعو إلى ما يسمى بالمشروع الإيراني، وهذا غير المشروع الشيعي، هذا المشروع لا يعنيه شيعة العراق ولبنان، ولا يعنيه دعم حماس والجهاد وحزب الله، بل يعنيه المصالح الإيرانية المباشرة، لا تعنيه الإمبراطورية الشيعية ولكن تعنيه الإمبراطورية الفارسية وقوة الدولة الإيرانية، وهذا الاتجاه ومن ثم المشروع الإيراني موجود ولكن في المعارضة في إيران، أما الاتجاه المحافظ الذي يمسك بمعظم السلطة في إيران مثل مرشد الثورة علي خامنئي ورئيس الجمهورية أحمدي نجاد... الخ فهو مع المشروع الشيعي طبعاً.
مرة أخرى فإن المشروع الشيعي خطير، ولكن ليس له فرصة في النجاح إلا بالتفاهم مع الأمريكان، وعلينا أن نمنع ما أمكن من هذا التفاهم، ولكن يجب أن نقرر هنا أن المشروع الأمريكي الصهيوني هو أخطر من المشروع الشيعي؛ لأنه خطر استراتيجي يستهدف اجتثاث أمة الإسلام من جذورها، وهو جزء من الصراع الحضاري التاريخي بين الأمة الإسلامية والحضارة الغربية، وهو أخطر؛ لأن إمكانيات أمريكا وإسرائيل والغرب كبيرة جداً ومن ثم فإن خطرهم كبير جداً ولا يجب بأي حال من الأحوال أن نقع في فخ التحالف مع الغرب ضد المشروع الشيعي، بل الصحيح أن نقاوم المشروعين معاً، وأن نقدم نحن المشروع الإسلامي غير الطائفي، وهذا ممكن ومتاح، ويجب علينا أن نحرر خطابنا وممارساتنا من اللعب على الورقة الأمريكية والنغمة الأمريكية، وأن نضع كل شيء في نصابه الصحيح بالنسبة للخطر الأمريكي الغربي الصهيوني، والخطر الشيعي والإيراني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يتركز تواجد الشيعة الإثنا عشرية بنسبة كبيرة في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين، وبنسبة مهمة في كل من الكويت ولبنان وفي مناطق عدة كالقطيف والأحساء والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وفي مسقط والباطنية في سلطنة عمان، وباقي دول الخليج العربي وباكستان وأفغانستان والهند وفي دول آسيا الوسطى.
ويتواجد الشيعة الإسماعيلية في نجران في المملكة العربية السعودية والهند، أما الشيعة الزيدية فيتركز تواجدهم في اليمن.
 
المصدر: موقع المسلم