Thursday, May 10, 2012

آراء مصرية.. في مسار الثورة

خليل علي حيدر
لماذا ثارت مصر؟ ولماذا كان هذا التجاوب الشعبي مع حشود «ميدان التحرير» على امتداد عام 2011؟ وأين تقف مصر اليوم بعد التحول التاريخي الذي سمي بثورة 25 يناير؟ في يناير هذا العام، بعد مرور سنة على ذلك الحدث الجسيم، أصدرت مجلة «روز اليوسف» عدداً خاصاً مكريسا له، جمعت فيه السياسة والاقتصاد والدين والفن والثقافة، ليتحدث الكل عن «مصر التي في خاطره»! في أول العام الماضي 2011، قال رئيس التحرير أسامة سلامة: «كان التسلط والقهر يحكمان مصر، ومشروع التوريث يمضي في طريقه مسرعاً... كان هناك برلمان مزور وباطل يستعد لسن قوانين وتشريعات لصالح حفنة تتحكم في أقدار البلد... كان الوريث يطل علينا من صفحات الصحف بوجهه البلاستيكي وكأنه قدر هذه الأمة الذي لا فكاك منه، وكان أعوانه يقتحمون جميع المجالات ويسيطرون عليها. كانت مصر من أكثر الدول فسادا وتقارير الشفافية الدولية تضعها في مرتبة متدنية جدا. كان مشهد الجامعات المصرية المزري وهي تخرج من قائمة اهم 500 جامعة في العالم حزينا، ومشهد خريجيها الذين لا يجيد معظمهم القراءة والكتابة الصحيحة مثيراً لليأس والاكتئاب والاحباط. كانت حوادث الفتنة الطائفية واستهداف المسيحيين تتكرر، وكانت الواسطة والرشوة والمحسوبية هي الطريق الوحيد للحصول على الوظائف والحقوق. كل هذا كان يحدث وأكثر. ولم يكن أحد من المتفائلين يتوقع أن يصحو الشعب المصري وأن يثور من أجل كرامته». ثم يختتم «اسامة اسبابي للتفاؤل بالعام الجديد 2012». مصر اليوم منقسمة بين المتفائلين بمستقبلها.. والمتشائمين! ولا عجب، اذ ان هذه الدولة العريقة لم تمر بتجربة لهذه منذ قرون، مرحلة تكاد تتسم بالحرية التي يتحدث عنها الفيلسوف ألفرس جان بول سارتر والوجوديون! الكاتب المصري «سعد هجرس» يحذر «في ظل الشطب المتعمد للثورة والثوار من الخريطة السياسية، فهذا معناه إعادة إنتاج نظام مبارك ولو بدونه». بل إن العديد من المراقبين صار يحذر المصريين من «سيناريو باكستاني»، يضيف هجرس، ويستند هذا الاحتمال إلى صفقة بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين والسلفيين وهناك أيضاً «السيناريو الجزائري» يقوم على احتمالات الصدام بين العسكر والأحزاب الإسلامية. وثمة سيناريو أسوأ «طالباني»، إذا فهم الإسلاميون من نتائج الانتخابات التوكيل العام والتفويض المطلق يفعلون بالمجتمع المصري ما يريدون. بل قد تتعرض مصر لسيناريو «أكثر سوءا» عن الذي قبله، هو سيناريو تفكيك الدولة المصرية، التي هي اقدم دولة في التاريخ. وكل السيناريوهات له ظهير اقليمي ودولي لا يبخل بالدعم السياسي، وبالدعم المالي من خلال قنوات «شرعية» حينا وخارج القانون في معظم الاحيان». الاخطر، في اعتقاده، ان لكل هذه الاحتمالات «ظهير اقليمي ودولي، لا يبخل الدعم السياسي والمالي». الأمين العام لحزب «الحرية والعدالة» بالظاهرة، اداة الاخوان السياسية، د. محمد البلتاجي، يقول: «البرلمان ليس بديلا عن الميدان، ولكن الميدان ايضا لا يمكن ان يكون بديلا عن البرلمان. هذا البرلمان سيحقق آمال الناس المنتظرة». ما موقف الحزب من اتفاقية السلام مع اسرائيل؟ هل سيقل تعاطف الناس مع الاخوان عندما يتعاملون مع اسرائيل والاتفاقية خلال المرحلة القادمة؟ يقول د. البلتاجي: «هناك التزامات على الدولة المصرية، لكن من حق الشعب المصري أن يراجع اتفاقيات تمت في غيبته ووقعت دون معرفته». وسألته المجلة: موقفكم لم يكن مجرد المراجعة، وقد كنتم تطالبون السلطات السابقة بإسقاط تلك الاتفاقية، وكنتم تصفونها بالمشينة وتعتبرونها خيانة للوطن. فأجاب: «نحن لم نقل إن كامب ديفيد شأن مقدس... المراجعة تشمل كل الاحتمالات، لكن هذه الاتفاقية موجودة وبها التزام على الدولة المصرية وأنا اتولى مسؤولية الدولة المصرية، فأبدا انظر فيها فأتحلل منها أو اراجعها أو ألغيها أو أعدلها وفقا لمصالح شعبي، لكن وفقا لإجراءات تعديل أو إلغاء الاتفاقيات كما ينص عليها القانون الدولي، لأن انا لو غيرت هذا بشكل فوضوي، كل العالم سيتعامل معي بريبة، فمن يقرضني مالاًَ سيتصور اني في اليوم التالي قد اقول له انه كان طبقا لعهد مبارك وانتهى». ومثل هذا الرد الواقعي بخصوص مستقبل اتفاقية كامب ديفيد، وان بدا مراوغا، صحيح ومتوقع من قبل الاخوان أو أي حزب آخر، اذ يعد الناس، وهو ساع لامتلاك السلطة، بالمن والسلوى والممكن والمستحيل، حتى اذا اقترب منها او هيمن عليها، واجه الجمهور المتحمس بالحقيقة. وما تاريخ العالم العربي الحديث سوى سلسلة من مثل هذه الوعود الكبيرة التي سيقت لجمهور مستميت لتصديقها! وسألته المجلة: «في ظل تصريح بعض السلفيين بأنهم حتى لن يلقوا عليكم السلام، كيف تتوقع مستقبل العلاقة بين الاخوان المسلمين والتيارات السلفية في 2012 داخل البرلمان؟ وكان جواب د. البلتاجي: «نحن مدرستان مختلفتان، لسنا مدرسة واحدة، نعم نحن مدرستان تنتميان معاً لتيار إسلامي لكنهما متمايزتان. فنحن مختلفون عنهم في قراءتهم للواقع المصري. وقدرتهم على التعامل معه وفي منظورهم، حتى في فهمهم للإسلام وفي آليات التعامل مع الواقع وفي كثير من الامور التفصيلية مختلفون». ويختلف الاخوان كذلك مع الليبراليين كما هو بديهي ومعروف. وقد سئل عن مستقبل القوى الليبرالية والتيار المدني في مصر، فقال بواقعية مؤلمة لهم: «حزب الوفد كان يمثل التيار الليبرالي، وفي عام 2005 كان لديه 6 نواب، فعندما يصبح التيار الليبرالي أو المدني لديه عشرون وثلاثون وخمسون وستون من النواب إذن تقدم. نحن نحتكم للشعب وهو مؤكد في هذه المرحلة يختار أغلبية وأقلية». د. البلتاجي وعد كذلك باتساع مساحة حضور المرأة في الحياة السياسية المصرية، «أكثر وافضل عشرات المرات». ولعل اهم ما قاله د. البلتاجي ما قاله عن اللجنة التي ستضع الدستور الجديد لمصر، قال: «الدستور ستضعه لجنة وضع الدستور، وستعرضه على الشعب وبالتالي سيكون لدى لجنة مشكلة من كل مكونات الوطن سواء الاجتماعية او الدينية او السياسية بكل الشرائح والطوائف، والبرلمان هو من سيختار بصلاحية كاملة وبدون تدخل تلك اللجنة، وهي عبارة عن مائة من خارج البرلمان وليس من الاغلبية البرلمانية.. مائة من كل طوائف الوطن وشرائحه وهم من سيضعون مسودة الدستور التي ستعرض على الشعب لإقراره، ولكن قضية المواطنة والحريات وحقوق الانسان وسيادة القانون قضايا محل توافق». المستشارة تهاني الجبالي توقعت بعض المؤامرات لاجهاض التجربة الديمقراطية القادمة في مصر. «هناك طابور خامس بالداخل، وهناك خلايا نائمة تستدعى للمهمات». ولكنها ابدت فهما سياسيا واضحا لانقسام الاسلاميين. قالت ان من يرفع شعار الاسلام في الشارع المصري لا يمتلك رؤية واحدة. «وهذا يعني انهم لا يجتمعون على اسلام واحد، وانما هم يعيشون في ظل فهم متعدد للاسلام، وبالتالي فلا بد من إعادة فرض الاسلام الوسطي.. وتركيا مثلا تعلمت الدرس بعد ان عاشت مرحلة متشددة. ومع النضج والفهم وصلوا بعد اربع سنوات من الارتباك الى الصيغة الموجودة الآن». وشتلت: ولكن الجيش في تركيا هو الضامن لمدنية الدولة». فأجابت: «المؤسسة العسكرية في مصر مازالت مطروحة لان تكون هي الضامن لنا. العلاقة بين الجيش والشعب في مصر علاقة فريدة من نوعها.. ما يحدث الان مؤامرة كاملة الاركان لفهم هذه العلاقة. وهاجمت السيدة المستشارة ممارسات الجماعات المتشددة في الشارع المصري، وطالبت بتطبيق القانون والحزم وحماية الحريات الخاصة. وهاجمت مواقف كال التيارات من قضية حقوق المرأة: «التيارات الدينية ليست هي الوحيدة التي سقطت في الامتحان الاول للمرأة بعد الثورة وانما جميع التيارات سقطت». ونبهت المستشارة الجبالي الاذهان الى تكتيك خطير للجماعات الدينية قائلة: «التيارات الدينية لن تستطيع ان تجعل 30% يستهدفون النساء المتميزات في الاعمال المتميزة». القيادي اليساري «عبدالغفار شكر»، توقع نهوض التيار في 2012 وبخاصة مع ظهور احزاب جديدة مثل حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي». وقال ان هذه الاحزاب كسبت اعضاء من شباب الثورة، «الذين دخلوا الانتخابات واصبحت لهم علاقة جماهيرية، كما اعطوا للعمل المشترك اهمية». كيف ستكون ملامح مصر الجيد في المرحلة القادمة؟ عام 2012 سيظهر دستور جديد ورئيس جديد، يقول عبدالغفار شكر. «ستظل الدولة مدنية لادينية كما سينتهى دور المجلس العسكري.. الاخوان لديهم وعي كبير والدستور يجب ان يعبر عن كل قوى ومقومات الامة. لن تحدث «اسلمة» لدولة لأنهم لن يستطيعوا تغيير طبيعة المصريين، وحتى السلفيون مهما كان لديهم من قوة ومهما اخذوا، ليسوا هم القوى السياسية الوحيدة». من سيحكم دولة مصر؟ «لا يمكن ان يكون لدينا سيدة او قبطي رئيسا للجمهورية الاقرب حتى الان هما عمرو موسى ود. محمد البرادعي. مصر دخلت مرحلة جديدة.. مرحلة ثورية.. لن تتوقف في 2012». ماذا يقول السلفيون عن المرحلة القادمة، وماذا يقول الشباب؟ سترى ذلك في حديث قادم، فالتاريخ المصري المعاصر.. للتو بدأ!