لا يختلف اثنان على حكمة قرار جلالة الملك بضرورة بحث مزاعم انتهاك حقوق الإنسان في فبراير ومارس عن طريق لجنة محايدة تضم أسماء معروفة لها سمعتها الدولية وتشغل مناصب في مجال حقوق الإنسان ولها تجارب ميدانية كثيرة في دول العالم، يطمئننا هذا إلى أن البحرين وقيادتها بإذن الله على الطريق الصحيح، أليس ما نريده هو ''تهيئة الأجواء'' للحوار، هذه هي الأجواء قد تهيأت فيما لجنة محايدة دولية تضم خبراء دوليين حقيقيين تدرس وتعطي توصياتها في أي ادعاء بوقوع انتهاكات، ولا ندري ما العقبات التي سيضعها من يرفض مبدأ الحوار أصلاً أمام الخروج بالبلد من هذه المحنة، طبعاً هذه الطفرة في التعامل مع حقوق الإنسان في البحرين تختلف شكلاً ومضموناً عن وضع التقييم الحقوقي المتحيز والذي نعرفه ونعرف خباياه والذي فشل في إقناعنا نحن، فكيف له أن يتحدث عنا أمام العالم. لم يكن التوجيه الملكي غريباً ولا مفاجئاً؛ فالأمر لا يعكس غير فلسفة قيادتنا التي تحرص على قانونية وشرعية كل تحرك في أوقات الرخاء، ولم تتزحزح عن هذا المبدأ والفلسفة خلال الأزمات، وهي تحترم النظام والقانون الدولي -بكل مساوئه- ولا تتكبر على كونها جزءاً من هذه المنظومة، لهذا لن تنجح أي محاولة لتصويرنا كدولة مارقة أو غابة تعذيب تمارس فيها الانتهاكات بحق الشعب، ولو عملتم ألف عام بنفس الحماس لتشويه صورة البحرين. نؤمن بقيادتنا كل يوم أكثر ونتشرف ببلدنا الذي مسه الضر والحزن، فما تخاذل لكن ازداد وعياً وتلاحماً وشعوراً بالمسؤولية، ولا نختلف في ذات الوقت على أنه إذا ما ثبت تعرض بحريني لإساءة أو انتهاك لحق من حقوقه فإن له أن يستخدم القانون والسبل المشروعة، إلا أننا سنظل ضد الاستهلاك الإعلامي المغرض واستغلال هذه المزاعم في تبرير التصعيد الميداني وإحداث المزيد من الأضرار مع التهويل والإشاعات والمبالغات التي تضر صاحب الحق وتضيع قضيته قبل أي شخص آخر. الحقيقة أننا نحتاج لشاهد حق فيما حصل في البحرين، حيث إن الصورة قد شوهت عمداً ولابد من إظهار الحقائق، وأهمية هذا القرار الحكيم منبعها الفهم والوعي لما تواجهه البحرين، فهذه الحرب ليست وليدة الساعة ولن تكون الأخيرة إذا لم تحسم دولياً -نفس الميدان الذي تُقاتلنا تلك الجماعة فيه- وإن هدأ الأمر عاماً أو أعواماً سيعود للظهور بنفس الأجندة والأهداف ونفس الادعاءات، وتقريباً نفس الوجوه، حسم القضية الموجودة عندنا لن يكون بحرينياً فقط، لابد من المواجهة الدولية التي كنا نتحاشاها لاعتبارات السمعة وحفاظاً على كيان البحرين الاقتصادي، لكن من الواضح ومن المفرح أننا ما عدنا نهابها، نتمنى التوفيق لعمل اللجنة، ولابد لنا من توجيه تحية من شعب لأب قبل أن يكون قائداً، ونسأل الله أن يحفظه ويحفظ البحرين. لا تثقون ونحن لا نثق أيضاً الوفاق قالت إنها تجد الحوار غير مجدٍ لأنها تقرأ التاريخ وتتنبأ بالمستقبل، لأنه سبق وأن وعدت القيادة بأمور ولم تفِ بوعودها -حسب وجهة النظر الوفاقية- وأن القيادة انقلبت على الدستور وعلى الميثاق، ونحن لا نتعجب فهو أسلوبها الدائم، كل ما تفعله الوفاق في نظرها إنجاز وكل ما يفعله غيرها أخطاء وفشل. نحن أيضاً نقرأ التاريخ والواقع؛ الطفرة السياسية غير المسبوقة وعودة المبعدين وتوليهم أرقى المناصب وحرية وشفافية عمل الإعلاميين والحقوقيين، لا يوجد في سجون البحرين معتقل رأي، إذا أدين أي متهم فيكون لارتكاب فعل غير قانوني أو تحريض عليه، حتى من هم في حكم الخيانة العظمى والتخابر مع الأجنبي ومحاولة قلب النظام حصلوا على العفو تلو الآخر، وكلنا نعرف أن الأوضاع خلف جدران بعض الجمعيات لا تسر عدواً ولا حبيباً، فلا أجندات وطنية كما يدعون ولا تحرك يمرر من أي طرف إلا بأمر أو إذن عراقي أو إيراني، والدولة تتغاضى أعواماً طويلة. ليس هذا مقام سرد كل الواقع الذي يدين بعض الأطراف في محاولة إقحام البحرين في لعبة دولية -كل غايتها السيطرة والتحكم بمنابع الثروات في العالم- وفي صراع إعلامي وحقوقي ليست البحرين باسمها ومكانتها من يقف وسطه ويحاكم مثل الدول الإجرامية التي تتغذى على دماء شعوبها وعذاباتهم في المعتقلات وتعلق المشانق لمن يقول ''لا'' أياً كان. عموماً، كما إن الوفاق ورفاقها لا يثقون في وعود القيادة، نحن لا نملك إلا أن نقول إننا أيضاً لا نثق في أي مما يصدر عن الوفاق وتحالفها، ولو كان ظاهره حقاً فالمراد به باطل، حتى الحكومة المنتخبة والحرية والعدالة وتوزيع الثروة ليس ما تفكر فيه الوفاق، ولن نكذب التاريخ وكل ما نعرفه ونتظاهر أننا نؤمن بشعارات فيما الواقع يضادها والأفعال لا تعكسها. لا تصدقوا تلفزيون البحرين، ونحن لا نصدق نبيل رجب وجماعته، تعتبرون الكل موالياً وغير جدير بالثقة، نعتبركم تسيرون وراء أجندة مذهبية ولا تهمكم مصلحة الوطن وغير جديرين بالثقة، إذاً نحن نتفق على شيء واحد؛ أن الثقة مهزوزة من الطرفين فليس من حق أي طرف أن يضع شروطاً أو يملي رأياً ولا أن يعتبر نفسه في موقع متقدم على غيره، هذا ما يجب أن يدركه الجميع؛ كما تطالبون بمبادرات ثقة وحسن نية يجب أن تقدموها في المقابل
أماني خليفة العبسي
صحيفة الوطن - العدد 2028 الخميس 30 يونيو 2011