Monday, July 4, 2011

حين تسأل الوفاق‮ من أنتم

‬ مأزق الوفاق ليس سياسيًا بل ثقافيًا؛ فمشكلة الوفاق في‮ ‬ما هو محشو في‮ ‬عقل قياداتها قبل جماهيرها من معطيات تخالف الواقع،‮ ‬وبناء على تلك المعطيات فإن كل ما تحلم به وتخطط له‮ ‬يوّلد كوابيس تعود بتبعاتها على جماهيرها‮.‬ إذ حتى الأحلام تتزود من مخزونك الفكري؛ من أفكار وصور ومحصلات لغوية مخزنة بعقلك الواعي‮ ‬أو الباطن،‮ ‬فإن كان مخزونك‮ ‬غير واقعي،‮ ‬فماذا تنتظر من أحلامك؟ لذلك لا‮ ‬يعجب أحد حين‮ ‬يسمع الوفاق تسأل‮ ''‬من هم هؤلاء الذين وجهت لهم دعوات الحوار؟‮''‬،‮ ‬فما ذلك إلا لأنها تنطلق من معطيات مخزونها الواعي‮ ‬وغير الواعي‮ -‬الخط الفاصل عند الوفاق‮ ‬غير واضح‮- ‬فقد حصرت الشعب البحريني‮ ‬في‮ ‬جماعتها والمعارضة في‮ ‬جمعيتها،‮ ‬معطيات‮ ‬غير واقعية احتكرت العلامات التجارية للشعب البحريني‮ ‬بجماهير الوفاق،‮ ‬واحتكرت المعارضة بمواقفها؛ لهذا هي‮ ‬تسأل من هؤلاء؟‮. ‬ الوفاق تذكرني‮ ‬بنكتة سمعتها مؤخراً؛ تونسي‮ ‬يشتكي‮ ‬لمواطن ليبي‮ ‬يقول له هل سمعت بن علي‮ ‬رئيسنا لمدة تزيد على‮ ‬23‮ ‬سنة ظهر علينا في‮ ‬آخر خطاب له‮ ‬يقول لنا‮ ''‬الآن فهمتكو‮''‬،‮ ‬رد عليه الليبي‮ ‬إحمد ربك نحن ترأسنا‮ ''‬معمر‮'' ‬40‮ ‬سنة وظهر ليسألنا في‮ ‬خطابه الأخير‮ ''‬من أنتم‮''‬؟‮! ‬ ولأن الوفاق إلى الآن لم تستوعب أن هناك جموعاً‮ ‬بحرينية‮ ‬غفيرة ظهرت في‮ ‬الفاتح،‮ ‬وأن الحوار سيشارك فيه بحرينيون لا‮ ‬يتبعون الفقيه،‮ ‬فتسأل من هؤلاء؟ باعتراف الوفاق وقد سمعته من أكثر من نائب برلماني‮ ‬أنهم‮ -‬حين شاركوا في‮ ‬العمل النيابي‮ ‬في‮ ‬الفصل التشريعي‮ ‬الثاني‮- ‬اكتشفوا أن العديد من الصور كانت مشوهة عن هذا الآخر‮ (‬منبر أو أصالة أو مستقلين أو وزراء أو أفراد أو أسر‮).‬ في‮ ‬السنوات الأربع الأخيرة،‮ ‬وهي‮ ‬المرة الأولى والوحيدة التي‮ ‬يجلسون فيها على طاولة واحدة ويشتركون فيها مع آخرين في‮ ‬عمل سياسي‮ ‬كما حدث في‮ ‬لجان التحقيق،‮ ‬أو‮ ‬يشاركون فيها أعضاء من السلطة التنفيذية اكتشفوا أن الصورة لم تكن متطابقة تمامًا مع الصورة المخزنة في‮ ‬الذاكرة،‮ ‬إذ أقروا أن العمل كان منسجمًا ومهنيًا في‮ ‬كثير من الأحيان مع هذا الآخر المجهول بالنسبة لهم‮.‬ الشاهد؛ أن تلك التجربة الاندماجية كانت الوحيدة اليتيمة وعمرها الزمني‮ ‬كان قصيراً،‮ ‬ولم تتح لها فرصة كي‮ ‬تتأصل،‮ ‬إذ سرعان ما عادت الوفاق لعزلتها من جديد في‮ ‬بداية الفصل التشريعي‮ ‬الثالث وفرضت على نفسها الطوق بعد أن أوغلت في‮ ‬الابتعاد عن هذا الآخر أثناء أحداث فبراير،‮ ‬بل وأجبرها ثلاثي‮ ‬الائتلاف الجمهوري‮ ‬على العودة مرة أخرى لداخلها المغلق،‮ ‬فعادت وكلنا نعرف أن نصف أعضاء الوفاق‮ -‬على الأقل‮- ‬مرغم ومجبور وساكت‮!‬ مشكلة هذا الانغلاق وتلك العزلة أنها بنيت على تلك المعطيات‮ ‬غير الواقعية،‮ ‬والتي‮ ‬لا تقتصر على إلغاء كل الشعب البحريني‮ ‬فحسب بل على اقتطاع البحرين من سياقها الجغرافي‮ ‬والتاريخي،‮ ‬لهذا صُدمت جماهير الوفاق من وجود الفاتح،‮ ‬ولهذا صدمت من دخول درع الجزيرة رغم أن البحرين ودول الخليج كل لا‮ ‬يتجزأ حتى قبل قيام مجلس التعاون وقبل اتفاقيات التعاون العسكري،‮ ‬ولهذا صُدمت الآن من الدعوات التي‮ ‬وجهت لبحرينيين للمشاركة في‮ ‬الحوار،‮ ‬وستظل جماهير الوفاق تخرج من صدمة وتدخل إلى أخرى حتى تعود للواقع على الأرض أو تبقى معزولة إلى الأبد تسبح في‮ ‬فضائها،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬انتحار سياسي‮ ‬لقيادتها مع سبق الإصرار‮.‬ مأزق الوفاق هو شارعها هو أبناؤها الذين تأخرت في‮ ‬مساعدتهم على كسر الطوق وتغيير صور المخزون الثقافي‮ ‬لديه،‮ ‬مأزقها أنها لم تنقل لهم زخم التجربة القصيرة،‮ ‬لم تكاشفهم بما تعرفت عليه،‮ ‬ودون ذلك التغيير لن تتمكن جماهير الوفاق من التعايش مع بقية شعب البحرين،‮ ‬ولن تتمكن من الاندماج مع واقعها المحلي‮ ‬والإقليمي‮ ‬وهذه أكثر مأساوية‮.‬ قيادات الوفاق خاصة تلك التي‮ ‬خاضت التجربة لم تكن صادقة مع جماهيرها،‮ ‬خشيت من اتهامها بالانسلاخ والطيران خارج السرب،‮ ‬وأجزم أن ذلك الوعي‮ ‬الجديد المكتسب من الخبرة العملية البسيطة كان كافيًا لكسر الطوق لو قدر له أن‮ ‬ينتشر بين الناس،‮ ‬لو امتلكت القيادات جرأة المبادرة بمواجهة المأزق الثقافي‮ ‬وتغييره أو بالأحرى إعادة ترتيب أوراقه وإدماجه بالواقع البحريني،‮ ‬إنما تلك المعطيات الجديدة كانت أكثر ما‮ ‬يخيف أصحاب الائتلاف الجمهوري‮ ‬فهي‮ ‬تقضي‮ ‬على مشروعه مشروع دولة ولاية الفقيه،‮ ‬لذلك سارعوا بإغلاق الباب من جديد على الكتلة النيابية قبل أن تستفيق فلم‮ ‬ينتظروا اكتمال دورة انعقاد أخرى تعزز من هذا الاندماج،‮ ‬لذلك سارعوا في‮ ‬إعلان الانقلاب‮.‬ وعادت الوفاق من جديد الآن لعزلتها‮ ‬غير الواقعية؛ العزلة ليست طوقاً‮ ‬أمنيًا على مداخل ومخارج القرى الآن،‮ ‬فالوفاق تخطئ من جديد إن اعتقدت أن العزلة الأشد هي‮ ‬العزلة الأمنية؛ بل الأشد هي‮ ‬تلك العزلة الاجتماعية مع المجتمع البحريني،‮ ‬تلك هي‮ ‬الأخطر والأشد وقعًا‮. ‬العزلة عن العمق الخليجي‮ ‬هي‮ ‬الأخرى ذات أبعاد مأساوية على الشيعة‮ (‬تابع صعوبة عبورهم جسر الملك فهد‮) ‬العزلة الاجتماعية انسحبت لا على الطائفة الشيعية التي‮ ‬جرتها قسراً‮ ‬معها في‮ ‬مغامرتها بل حتى على أعضاء الجمعيات السبع الأخرى ومنهم سُنة،‮ ‬وأكثر من عانى منها عائلات أعضاء جمعية وعد الذين عزلوا في‮ ‬المحرق بشكل مؤلم لم‮ ‬يشهدوه في‮ ‬حياتهم‮.‬ فما هي‮ ‬مكاسب تلك المغامرة؟ بعض التعديلات الدستورية بمساعدة مسؤولين أمريكيين ومنظمات حقوقية ووسائل إعلام؟ ربما‮.. ‬إنما انظر ماذا خسرت بالمقابل‮.‬ لأول مرة في‮ ‬تاريخ البحرين تحدث مقاطعة تجارية مبنية على أسس طائفية،‮ ‬لأول مرة تُشكّل لجان شعبية أمنية للأحياء السكنية على أسس طائفية‮ (‬وقت الأزمة‮)‬،‮ ‬تلك مؤشرات فقط وغيرها كثير لو شئتم المصارحة،‮ ‬هذه مؤشرات تدلل على عمق الجرح الذي‮ ‬أوغرته الوفاق وحجم الطوق الذي‮ ‬نسجته حول نفسها حتى ضاق بها الوطن‮.‬ وكلما علّقت الأسباب على أي‮ ‬شماعة ضحكت على نفسها‮ -‬كما تتهم الإعلام الآن‮- ‬أنكم إنما تزيدون من عزلتكم أكثر وتحكمون الطوق أكثر،‮ ‬فالإعلام سيجد له متنفساً،‮ ‬الأمر خرج من‮ ‬يد الدولة إنه الآن بيد الشعب البحريني،‮ ‬إذ قد تتمكن من إسكات الإعلام الرسمي‮ ‬إنما هل تستطيع إسكات الناس والنفوس المتنافرة؟‮.‬ المسألة تحتاج أكثر من تعليق الأسباب على‮ ‬غيركم،‮ ‬المسألة تحتاج لجرأة‮ ‬غير معهودة منكم في‮ ‬الالتفاف للداخل إنما من أجل المصارحة والمكاشفة‮ -‬وهذه حقيقة‮- ‬استبعدها عنكم‮.‬ فالوفاق لم تجرؤ‮ ‬يومًا على مكاشفة جماهيرها وقت الرخاء السياسي‮ - ‬وهذه كانت‮ ‬غلطتها‮- ‬فهل تستطيع أن تجازف الآن والأجواء موتورة؟،‮ ‬الأمر‮ ‬يحتاج لأكثر من جرأة،‮ ‬الأمر‮ ‬يحتاج لإيثار‮ ‬يصل إلى حد المهمة الانتحارية‮.‬ قيادات الوفاق الآن خاضعة للإرهاب الجماهيري،‮ ‬وجماهيرها موتورة لأنها مصدومة بالواقع الذي‮ ‬يتكشف لها‮ ‬يومًا بعد‮ ‬يوم،‮ ‬مصدومة بحجم العزلة الاجتماعية محليًا وإقليميًا،‮ ‬قيادات الوفاق الآن ترس في‮ ‬اللعبة وليست متحكمة فيها،‮ ‬هي‮ ‬الآن على مقعد القيادة ويدها على المقود لكنها خاضعة لاندفاع الماكينة التلقائي‮. ‬ حزب الله في‮ ‬الخارج‮ ‬يجلدها بسياط الالتزام بالحلم وبالمخطط وبالمشروع الانفصالي،‮ ‬وجماهيريها تجلدها بسياط الوفاء‮ (‬لضحايا‮) ‬المغامرة‮.‬ وعودة على بداية المقال سنرى أن مأزقها الثقافي‮ ‬هو الذي‮ ‬قادها إلى مأزقها السياسي،‮ ‬مخزون ثقافي‮ ‬صُدم بعدم واقعية معطياته حين نزل إلى الأرض،‮ ‬اليوم تنساق قيادات الوفاق كما الشاة على مذبح ذلك المخزون المشوه الذي‮ ‬تعرف هي‮ ‬أكثر من‮ ‬غيرها حجم تشوهاته،‮ ‬لذلك لا‮ ‬يتحدث باسمها الآن إلا من‮ ‬يملك قدرة أكثر من‮ ‬غيره على الأداء المسرحي

سوسن الشاعر
صحيفة الوطن - العدد 2025 الأثنين 27 يونيو 2011