Monday, July 4, 2011

طاولة الكشف عن الكذب‮

رغم ما حصل للبحرين وما طال شريحة كبيرة من أهلها من أذى وإرهاب وترويع خلال شهري‮ ‬فبراير ومارس،‮ ‬فإن‮ ''‬الوفاق‮'' ‬الضليعة في‮ ‬تأجيج الشارع مازالت تتساهل بما حصل،‮ ‬وكأنه شيء عادي‮ ‬جداً،‮ ‬بدليل أن خطاباتها التصعيدية متواصلة،‮ ‬وهي‮ ‬بحد ذاتها تأكيد صريح على أنها‮ ''‬لو الود ودها‮'' ‬لنجح الانقلاب على النظام‮.‬ مواقف‮ ''‬الوفاق‮'' ‬وخطاباتها لوحدها دليل إدانتها،‮ ‬باعتبار أن كل ما‮ ‬يدعون إليه ويسعون إلى دفع الناس ممن‮ ‬يصطفون وراءهم لقوله والتمثل به،‮ ‬لا‮ ‬يتلاقى مع الدولة أو مع المكونات الأخرى في‮ ‬شيء‮.‬ ليست المرة الأولى التي‮ ‬نقول فيها إن‮ ''‬الوفاق‮'' ‬كانت من خلال حراكها السابق تريد تأسيس دولة داخل دولة‮. ‬لكن الجديد اليوم أنها تنازلت عن ذلك وأبدلته بمطلب‮ ''‬احتكار‮'' ‬الدولة لرؤاها أولاً،‮ ‬ولسيطرتها ثانياً‮. ‬ الفوضى التي‮ ‬حصلت في‮ ‬فبراير مثلت لهم ساعة الصفر التي‮ ‬من المفترض فيها الكشف عن الوجه الحقيقي‮ ‬وانتهاج كافة الأساليب لإسقاط النظام،‮ ‬وهو الهدف الرئيس،‮ ‬ومن‮ ‬يقول‮ ‬غير ذلك فهو‮ ‬يخادع نفسه‮.‬ علي‮ ‬سلمان أثبت أنه ممارس كبير للكذب،‮ ‬أو لـ‮''‬التقية السياسية‮''‬،‮ ‬فهو الذي‮ ‬نفى في‮ ‬المحكمة أن‮ ‬يكون دعا لإسقاط النظام،‮ ‬لكنه في‮ ‬الدوار‮ ‬يخطب في‮ ‬الناس وهم‮ ‬يهتفون بإسقاط النظام،‮ ‬ويقف على المنصة واللافتة الكبيرة تبرز هذا الشعار،‮ ‬ويدعو الناس للسير إلى قصر القضيبية لتعطيل مجلس الوزراء،‮ ‬ويلعلع هو وأصحابه في‮ ‬القنوات الإيرانية مبينين رغباتهم الحقيقية بتغيير النظام وتفصيله حسب ما‮ ‬يرونه‮.‬ اليوم تقف‮ ''‬الوفاق‮'' ‬في‮ ‬مواجهة بقية مكونات المجتمع،‮ ‬تقف مضادة لها وهي‮ ‬التي‮ ‬سعت إلى اختطاف حق هذه المكونات في‮ ‬التعبير عن آرائهم،‮ ‬وسعت لاختزال صوتهم فيها مثلما فعلت في‮ ‬المكون الشيعي،‮ ‬حينما نصبت نفسها المتحدث الرسمي‮ ‬عنه،‮ ‬ظالمة شريحة كبيرة من الطائفة الشيعية الموالية للبلد وقيادتها‮.‬ تدرك‮ ''‬الوفاق‮'' ‬أن حوار التوافق الوطني‮ ‬محطة حاسمة أمامها،‮ ‬إذ هذا الحوار بالنسبة إليها كما‮ ''‬جهاز الكشف عن الكذب‮''‬،‮ ‬بإمكانه بيان زيف إدعاءاتها وكذبها في‮ ‬الفضائيات،‮ ‬ولدى المجتمع الدولي‮ ‬بشأن مساعيها المزعومة بإصلاح الأوضاع المعيشية في‮ ‬البحرين،‮ ‬وذلك في‮ ‬حال تعنتت في‮ ‬شأن المشاركة فيه‮.‬ الغريب أن مرجع‮ ''‬الوفاق‮'' ‬عيسى قاسم حسم أمر الحوار وكتب عليه بالفشل،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يقول فيه علي‮ ‬سلمان إن حسم المشاركة من عدمها سيكون أواخر الأسبوع الحالي،‮ ‬ما‮ ‬يعني‮ ‬أنه تجري‮ ‬الآن عملية دراسة تداعيات عدم المشاركة وتأثيرها على شكل‮ ''‬الوفاق‮'' ‬خارجياً،‮ ‬باعتبار أن الداخل‮ ‬يعرف تماماً‮ ‬كيف تعمل‮ ''‬الوفاق‮''‬،‮ ‬وأنها لا تهتم إن خذلت شارعها مرة أو مرتين أو ألف مرة،‮ ‬أو لعبت فيهم كما‮ ''‬البيضة والحجر‮''.‬ تذكروا فقط أن عيسى قاسم هو من اعتبر التجربة البرلمانية منقوصة وفاشلة في‮ ‬عام‮ ‬‭,‬2002‮ ‬لكنه عاد ليمنح‮ ''‬الوفاق‮'' ‬صك المشاركة بعدها بأربعة أعوام‮. ‬وبنفس التعاطي‮ ‬اعتبر أخذ النواب للتقاعد النيابي‮ ‬بمثابة التطاول على المال العام،‮ ‬ووصفه بالمال الحرام‮. ‬لكن المسألة حينما جاءت على نواب‮ ''‬الوفاق‮'' ‬قام بـ‮''‬تحليل‮'' ‬الحرام،‮ ‬وهو ما دفع الوفاقيين إلى الضغط على النواب الآخرين لجعل التقاعد‮ ''‬إلزامياً‮'' ‬تفادياً‮ ‬للإحراج أمام شارعهم الذي‮ ‬لم تزده الوفاق فلساً‮ ‬واحداً‮ ‬في‮ ‬جيبه‮.‬ هنا من سيقول إن دخول‮ ''‬الوفاق‮'' ‬إلى البرلمان في‮ ‬دورة‮ ‬2006‮ ‬وفي‮ ‬الدورة التي‮ ‬تلتها،‮ ‬كان‮ ‬يمثل بادرة تعاطٍ‮ ‬إيجابية،‮ ‬نجيبه بأن الأحداث الأخيرة كشفت حقيقة الوجه الوفاقي،‮ ‬فما إن بانت بوادر‮ ‬غلبة وقتية بشأن التجمع في‮ ‬الدوار،‮ ‬حتى رمت‮ ''‬الوفاق‮'' ‬بكل مكسب سياسي‮ ‬حققته،‮ ‬واعتبرت البرلمان وكأنه لم‮ ‬يكن،‮ ‬وركضت إلى الشارع تنصب خيامها وتضبط ميكرفوناتها‮. ‬فإيمانها بالعمل السياسي‮ ‬كان ومازال وسيظل في‮ ‬الشارع لا داخل المؤسسات الشرعية‮.‬ وعليه من‮ ‬يظن بأن‮ ''‬الوفاق‮'' ‬قادرة على التعاطي‮ ‬مع أي‮ ‬منظومة شرعية فهو‮ ‬يجانب الصواب،‮ ‬هم‮ ‬يفضلون تأجيج الشارع ودفع الناس إلى ممارسة الفوضى والتخريب،‮ ‬ليبدؤوا بعدها مساومات مع الدولة باعتبار أنهم‮ ''‬سادة الشوارع‮''.‬ لو كانت المسألة مرهونة بالوفاق وكان لزاماً‮ ‬عليها المشاركة في‮ ‬أي‮ ‬حوار وطني،‮ ‬ومنحت حق تحديد مكانه وزمانه،‮ ‬لكان لكم أن تتوقعوا أين سيكون هذا الحوار‮. ‬والله سيصلون لمرحلة‮ ‬يدعون فيها حتى لإعادة بناء الدوار ليجلسوا فيه،‮ ‬إذ هم حولوهم إلى رمز مقدس بالنسبة لهم،‮ ‬كما هو أسلوب تحويلهم البشر إلى أشباه أنبياء وأولياء صالحين معصومين،‮ ‬حتى لو كانت أخطاؤهم جلية‮.‬ إن كانت‮ ''‬الوفاق‮'' ‬ستدخل الحوار،‮ ‬فسيكون دخولاً‮ ‬تكتيكياً‮ ‬ليس إلا،‮ ‬فما‮ ‬يهمها هو استمرار تصديق أكاذيبها من قبل بعض الآذان التي‮ ‬تسمع في‮ ‬الخارج،‮ ‬والتي‮ ‬سيتغير موقفها‮ (‬إن كانت بالفعل صادقة وموضوعية‮) ‬تجاه هذه الجمعية في‮ ‬حال رفضت‮ ''‬حواراً‮ ‬ديمقراطياً‮'' ‬يضم كافة مكونات المجتمع البحريني‮.‬ يظل السؤال الذي‮ ‬يتردد صداه لدى الشارع المخلص للوطن وقيادته،‮ ‬إذ كيف‮ ‬يمكن التوافق بين فئة هدفها الأثير هو قلب النظام،‮ ‬مع مكونات مجتمع عديدة وعريضة تمثل الغالبية،‮ ‬بالنسبة لها النظام هو أول الخطوط الحمراء؟‮!‬ إن كانت‮ ''‬الوفاق‮'' ‬صادقة في‮ ‬إدعائها بأنها تعمل لأجل الوطن‮ (‬ونحن نشك ألف مرة‮) ‬فعليها إثبات ذلك،‮ ‬وهي‮ ‬للأسف لا تستطيع،‮ ‬فأمرها مرهون بما‮ ‬يقوله مرجعها المنصب من قبل الولي‮ ‬الفقيه‮.‬ عموماً،‮ ‬الأسبوع القادم تبدأ مرحلة تاريخية من مراحل البناء والتحديث في‮ ‬هذا الوطن،‮ ‬من‮ ‬يريد الخير لوطنه ومن لا‮ ‬يمتلك أهدافاً‮ ‬فئوية شخصية ستجدونه على الطاولة،‮ ‬جالساً‮ ‬بملء إرادته وبكل قناعة وقبول‮. ‬وأما الممتنع عن ذلك،‮ ‬فأنتم تعرفون سبب امتناعه جيداً‮.‬ تريدون الديمقراطية مثلما تدعون؟‮! ‬وبالتالي‮ ‬فطاولة الحوار أصدق اختبار لما تدعونه

فيصل الشيخ
صحيفة الوطن - العدد 2025 الأثنين 27 يونيو 2011