رغم ما حصل للبحرين وما طال شريحة كبيرة من أهلها من أذى وإرهاب وترويع خلال شهري فبراير ومارس، فإن ''الوفاق'' الضليعة في تأجيج الشارع مازالت تتساهل بما حصل، وكأنه شيء عادي جداً، بدليل أن خطاباتها التصعيدية متواصلة، وهي بحد ذاتها تأكيد صريح على أنها ''لو الود ودها'' لنجح الانقلاب على النظام. مواقف ''الوفاق'' وخطاباتها لوحدها دليل إدانتها، باعتبار أن كل ما يدعون إليه ويسعون إلى دفع الناس ممن يصطفون وراءهم لقوله والتمثل به، لا يتلاقى مع الدولة أو مع المكونات الأخرى في شيء. ليست المرة الأولى التي نقول فيها إن ''الوفاق'' كانت من خلال حراكها السابق تريد تأسيس دولة داخل دولة. لكن الجديد اليوم أنها تنازلت عن ذلك وأبدلته بمطلب ''احتكار'' الدولة لرؤاها أولاً، ولسيطرتها ثانياً. الفوضى التي حصلت في فبراير مثلت لهم ساعة الصفر التي من المفترض فيها الكشف عن الوجه الحقيقي وانتهاج كافة الأساليب لإسقاط النظام، وهو الهدف الرئيس، ومن يقول غير ذلك فهو يخادع نفسه. علي سلمان أثبت أنه ممارس كبير للكذب، أو لـ''التقية السياسية''، فهو الذي نفى في المحكمة أن يكون دعا لإسقاط النظام، لكنه في الدوار يخطب في الناس وهم يهتفون بإسقاط النظام، ويقف على المنصة واللافتة الكبيرة تبرز هذا الشعار، ويدعو الناس للسير إلى قصر القضيبية لتعطيل مجلس الوزراء، ويلعلع هو وأصحابه في القنوات الإيرانية مبينين رغباتهم الحقيقية بتغيير النظام وتفصيله حسب ما يرونه. اليوم تقف ''الوفاق'' في مواجهة بقية مكونات المجتمع، تقف مضادة لها وهي التي سعت إلى اختطاف حق هذه المكونات في التعبير عن آرائهم، وسعت لاختزال صوتهم فيها مثلما فعلت في المكون الشيعي، حينما نصبت نفسها المتحدث الرسمي عنه، ظالمة شريحة كبيرة من الطائفة الشيعية الموالية للبلد وقيادتها. تدرك ''الوفاق'' أن حوار التوافق الوطني محطة حاسمة أمامها، إذ هذا الحوار بالنسبة إليها كما ''جهاز الكشف عن الكذب''، بإمكانه بيان زيف إدعاءاتها وكذبها في الفضائيات، ولدى المجتمع الدولي بشأن مساعيها المزعومة بإصلاح الأوضاع المعيشية في البحرين، وذلك في حال تعنتت في شأن المشاركة فيه. الغريب أن مرجع ''الوفاق'' عيسى قاسم حسم أمر الحوار وكتب عليه بالفشل، في الوقت الذي يقول فيه علي سلمان إن حسم المشاركة من عدمها سيكون أواخر الأسبوع الحالي، ما يعني أنه تجري الآن عملية دراسة تداعيات عدم المشاركة وتأثيرها على شكل ''الوفاق'' خارجياً، باعتبار أن الداخل يعرف تماماً كيف تعمل ''الوفاق''، وأنها لا تهتم إن خذلت شارعها مرة أو مرتين أو ألف مرة، أو لعبت فيهم كما ''البيضة والحجر''. تذكروا فقط أن عيسى قاسم هو من اعتبر التجربة البرلمانية منقوصة وفاشلة في عام ,2002 لكنه عاد ليمنح ''الوفاق'' صك المشاركة بعدها بأربعة أعوام. وبنفس التعاطي اعتبر أخذ النواب للتقاعد النيابي بمثابة التطاول على المال العام، ووصفه بالمال الحرام. لكن المسألة حينما جاءت على نواب ''الوفاق'' قام بـ''تحليل'' الحرام، وهو ما دفع الوفاقيين إلى الضغط على النواب الآخرين لجعل التقاعد ''إلزامياً'' تفادياً للإحراج أمام شارعهم الذي لم تزده الوفاق فلساً واحداً في جيبه. هنا من سيقول إن دخول ''الوفاق'' إلى البرلمان في دورة 2006 وفي الدورة التي تلتها، كان يمثل بادرة تعاطٍ إيجابية، نجيبه بأن الأحداث الأخيرة كشفت حقيقة الوجه الوفاقي، فما إن بانت بوادر غلبة وقتية بشأن التجمع في الدوار، حتى رمت ''الوفاق'' بكل مكسب سياسي حققته، واعتبرت البرلمان وكأنه لم يكن، وركضت إلى الشارع تنصب خيامها وتضبط ميكرفوناتها. فإيمانها بالعمل السياسي كان ومازال وسيظل في الشارع لا داخل المؤسسات الشرعية. وعليه من يظن بأن ''الوفاق'' قادرة على التعاطي مع أي منظومة شرعية فهو يجانب الصواب، هم يفضلون تأجيج الشارع ودفع الناس إلى ممارسة الفوضى والتخريب، ليبدؤوا بعدها مساومات مع الدولة باعتبار أنهم ''سادة الشوارع''. لو كانت المسألة مرهونة بالوفاق وكان لزاماً عليها المشاركة في أي حوار وطني، ومنحت حق تحديد مكانه وزمانه، لكان لكم أن تتوقعوا أين سيكون هذا الحوار. والله سيصلون لمرحلة يدعون فيها حتى لإعادة بناء الدوار ليجلسوا فيه، إذ هم حولوهم إلى رمز مقدس بالنسبة لهم، كما هو أسلوب تحويلهم البشر إلى أشباه أنبياء وأولياء صالحين معصومين، حتى لو كانت أخطاؤهم جلية. إن كانت ''الوفاق'' ستدخل الحوار، فسيكون دخولاً تكتيكياً ليس إلا، فما يهمها هو استمرار تصديق أكاذيبها من قبل بعض الآذان التي تسمع في الخارج، والتي سيتغير موقفها (إن كانت بالفعل صادقة وموضوعية) تجاه هذه الجمعية في حال رفضت ''حواراً ديمقراطياً'' يضم كافة مكونات المجتمع البحريني. يظل السؤال الذي يتردد صداه لدى الشارع المخلص للوطن وقيادته، إذ كيف يمكن التوافق بين فئة هدفها الأثير هو قلب النظام، مع مكونات مجتمع عديدة وعريضة تمثل الغالبية، بالنسبة لها النظام هو أول الخطوط الحمراء؟! إن كانت ''الوفاق'' صادقة في إدعائها بأنها تعمل لأجل الوطن (ونحن نشك ألف مرة) فعليها إثبات ذلك، وهي للأسف لا تستطيع، فأمرها مرهون بما يقوله مرجعها المنصب من قبل الولي الفقيه. عموماً، الأسبوع القادم تبدأ مرحلة تاريخية من مراحل البناء والتحديث في هذا الوطن، من يريد الخير لوطنه ومن لا يمتلك أهدافاً فئوية شخصية ستجدونه على الطاولة، جالساً بملء إرادته وبكل قناعة وقبول. وأما الممتنع عن ذلك، فأنتم تعرفون سبب امتناعه جيداً. تريدون الديمقراطية مثلما تدعون؟! وبالتالي فطاولة الحوار أصدق اختبار لما تدعونه
فيصل الشيخ
صحيفة الوطن - العدد 2025 الأثنين 27 يونيو 2011