لعل الأمر الملكي بإنشاء لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد إبان فبراير ومارس الماضيين قد فاجأ الكثيرين، وبالأخص من افتعل الأزمة وحاول اختطاف البلاد، وحتى من حاول اغتنامها والصعود على أكتافها لتحقيق مآرب ومصالح فئوية أو طائفية ضيقة. أكاد أجزم أن أعينهم قد اتسعت ووجوههم اكفهرت وهم يستمعون إلى التوجيه الملكي بإنشاء اللجنة، وبضرورة تعاون كل الأطراف معها وتيسير أعمالها، للوصول إلى حقيقة الأزمة وتفاصيلها وتبعاتها، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أنها لن تكون لجنة مكونة من شخصيات بحرينية يسهل عليهم حينها، كما جرت عادتهم، التشكيك في مصداقيتها ونزاهتها، وبأنها لن تكون محايدة وستميل لجهة الجانب الرسمي، ويتفرغون بعدها لإطلاق التصريحات لوسائل إعلامهم الداعمة لهم على طول الخط، ولبعض المنظمات الدولية التي عرفوا كيف يخترقونها، وعرفت هي كيف تستغلهم لتحقيق أجنداتها في المنطقة. الآن قطع عليهم طريق ذلك، فاللجنة التي شكلت تتكون من شخصيات دولية لها سمعتها ومصداقيتها، ولها من الخبرة والاحترام الدولي ما لن يدع لمن يريد قلب الحقائق أمام الرأي الدولي أي مجال. إن هذه الخطوة التي لقيت ترحيباً محلياً ودولياً واسعاً تؤكد من جديد أن البحرين لا تخشى ظهور الحقيقة وانكشافها، لأننا واثقون من عدالة موقفنا وقضيتنا، ومن الإجراءات التي اتبعت، والخطوات التي تم التعامل بها مع الأزمة، ومع توالي أحداثها وانكشاف حجم المؤامرة التي تقف خلفها، لذلك فنحن قبل سوانا نريد معرفة الحقيقة، ونريد للعالم أيضاً أن يعرفها، فليس لدينا ما نخشاه، وهو ما سيكون الرد الأمثل لكل من يحاول تلفيق الحقائق وتشويه اسم الوطن. هكذا كان موقفنا منذ البداية، قيادة وشعباً، حين دعونا لبدء الحوار فتمنعتم، لم نكن حينها نخشى الوصول إلى الحقيقة، باعتبار الحوار هو الطريق الأصعب لكنه الأمثل للوصول للحقيقة، واليوم والبحرين تنشئ لجنة مستقلة لتقصي الحقائق وتطلق حوار التوافق الوطني، تؤكد أنها مع ظهور الحقيقة، ورغم كل ما مر علينا مازالت مواقفنا ثابتة وواثقة. بنفس المنطلق الذي يدفعنا لمعرفة الحقيقة وعدم الخشية منها، ندعو الأطراف الأخرى (الوفاق والسائرين في ظلها) إلى السعي لظهور الحقيقة أيضاً وعدم الخوف منها!! من خلال خطين متوازيين، أحدهما هو التعاون مع لجنة تقصي الحقائق وتسهيل عملها والقبول بنتائجها، والثاني هو المشاركة الفاعلة في حوار التوافق الوطني ومحاولة تغليب المصلحة الوطنية وتقريب المسافات والتعالي على الرؤية الفئوية والطائفية من أجل خير وصلاح الوطن واستقراره ومستقبله، فهل أنتم قادرون على فعل ذلك؟ هل بإمكانكم القبول بنتائج التحقيق وتحمل مسؤولياتكم تجاه ما سوف يتمخض عنه؟ هل أنتم على استعداد للدخول في حوار وطني جامع دون محاولة فرض شروط واختطاف إرادة الآخرين والتشكيك في نواياهم؟ إن كانت إجابتكم بنعم فأثبتوا ذلك عملياً، دعونا نرى أنكم تعلمتم جزءاً من دروس الأزمة ومن أخطائكم، وأنكم عاقدو العزم على العودة إلى الإجماع ووحدة الصف. أما إن أجبتم بلا!! فكونوا حينها على استعداد لتحمل مسؤوليتكم أمام الوطن بكل مكوناته وأمام العالم، ولا تستنكروا إن سجل التاريخ لأجيالنا القادمة أن البحرين مرت بأزمة مفتعلة حاولت قوى خارجية لها أطماعها التغلغل إلى البلاد وزعزعة أمنها ونظامها والعبث بوحدتها الوطنية، وأن تلك المطامع الخارجية التاريخية المتمثلة في إيران، وجدت لها فئة قليلة مؤيدة من أبناء البحرين سعوا إلى تحقيق أجندتها وتنفيذ مخطط نشر ولاية الفقيه، وسعى آخرون كثر للاستفادة من تلك اللحظات الحرجة والركوب على موجتها لتحقيق مصالح سياسية أو طائفية ضيقة على حساب باقي المكونات، كما سيذكر التاريخ أيضاً أن الغالبية العظمى من أبناء البحرين من كل الأطياف والمذاهب رفضت ذلك المخطط وتصدت له وصانت الوطن واستقلاله وشرعية نظامه، وحمته من الانزلاق في مواجهات أهلية كادت تعصف بوحدته التي توارثناها أجيالاً بعد أجيال. الاختيار مازال بيدكم، والقلم مازال بيمينكم، ومازال بإمكانكم أن تختاروا مع أي جهة ستقفون، وماذا ستكتبون، وماذا سيكتب عنكم في تاريخ البحرين، فلا تضيعوا الفرصة. ؟ شريط إخباري.. في الوقت الذي ترفض فيه الكثير من الدول، ومن ضمنها إيران طبعاً وكما شاهدنا مراراً، قبول تواجد لجان تحقيق دولية على أراضيها رغم بشاعة الأحداث والانتهاكات التي تشهدها، سعت البحرين بإرادتها الكاملة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة، وهو موقف استحق التأييد والثناء من المجتمع الدولي، ويؤكد مجدداً رغبة عاهل البلاد المفدى الحقيقية والصادقة للعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية والتطوير والبناء على ما أنجز في عشر سنوات تحقق فيها الكثير ومازلنا نستحق وننتظر الأكثر. فشكراً نقولها صادقة لعاهل البلاد المفدى الذي لم تدفعه الأحداث، على عظمها، لأن يتراجع عن مشروعه، ولا أن ينتقم من فئة، أو أن يعزل أخرى، حتى من أخطأ وظلم، بل تعامل مع الجميع بقلب الأب العطوف، فهل أنتم مقدرون ذلك؟ نتمنى!!
علي حسين
صحيفة الوطن - العدد 2032 الأثنين 4 يوليو 2011