والله نتابع البيانات المتوالية التي تصدرها ''الوفاق'' فنستغرب، وليس مبعث الاستغراب أن الكلام لا يدخل العقل ولا يتسق مع المنطق، بل المبعث أنه كيف لأناس يفترض وجود العقل فيهم أن يصدقوا قبل الآخرين ما يصدر عنهم من مغالطات؟! وكيف لهم أن يتعاملوا بكل براءة وبِراحة ضمير مع مسائل هم كانوا أبرز محركاتها وأكبر مسبباتها؟! ''الوفاق'' تتعامل مع الوضع الحالي بأسلوب ''اقتل القتيل وامش في جنازته''، وهي ليست المرة الأولى التي تدفع فيها الناس -خاصة من قبلوا أن يمشوا وراءهم عميانياً- إلى شفير هاوية، وتكون سبباً في الوبال عليهم، ثم تنسلخ من مسؤوليتها تجاههم وتتبرأ من حقيقة أنها السبب فيما حصل لهم، لتنتقل إلى لعب دور المتاجر في مصائر هؤلاء البشر. أكتب هذا بعد قراءة لبيان وزارة الداخلية، الذي ترد فيه على جزئية تضمنها بيان ''الوفاق'' الأخير بشأن وجود ''أحداث'' موقوفين، واستمرار الجمعية لعملية فرض إملاءاتها ضاربة القانون عرض الحائط، عبر مطالباتها الإفراج الفوري عنهم، دون أيما احترام أو وضع لاعتبار أن في هذا البلد قانوناً وأن الموقوفين تم إيقافهم على خلفية ارتكابهم لجرائم وجنح، ودون أن تعي بأننا لسنا في غابة ''الولي الفقيه'' التي لا وزن فيها للقانون، فمحبك تمجده وتعظمه، ومن تختلف معه تشنقه في الميادين العامة ولا داعي لتضييع الوقت في محاكمات وقانون وغيره. قد يقولون كما هي عادتهم بأن هؤلاء صغار السن (جهال)، وأنهم لا يعون ما يفعلون،. لكن المسألة لا تقف عند هذه الجزئية المغلوطة، فإن كانوا صغار سن لا يعون ما يفعلونه، يعني ذلك أن هناك من غرر بهم، وهناك من دفع بهم إلى ما وصلوا إليه، أي أن ''الوفاق'' ومن معها من محركات للأزمة في الشارع هي التي تتحمل مسؤولية ضياع هؤلاء، وهي التي من المفترض أن تكون محلهم في التوقيف والمحاكم. صدقوني هم لا تهمهم مصائر هؤلاء البشر، إذ طالما اعتبروهم أرقاماً للمتاجرة فيهم، ولضمان استمرارية تصريحاتهم للخارج بتضمينها معلومات جديدة قائمة على الأرقام. اليوم تتحدثون عن صغار السن والأحداث؟! أنسيتم يا وفاق ويا علي سلمان موقفكم في سنوات مضت بشأن التخريب في المدارس، وكيف كان خطابكم موجهاً بشكل صريح لطلبة المدارس بأن مارسوا السياسة في وقت الفراغ؟! وماذا كان ذلك يعني؛ أي ممارسة السياسة في وقت الفراغ؟! هل كان يعني الانخراط في تنظيم شبه عسكري تحت مسمى الحركة الكشفية؟، ونعني هنا كشافة ''فدك'' التي يقف صغار السن والأحداث فيها ليؤدوا التحية لعيسى قاسم ولعَلَم ''الوفاق''. أليست هذه دعوة لتجنيد هؤلاء الصغار تحت لوائكم، بحيث يتحركون يمنة ويسرة بحسب ما تقررونه. اليوم، بعد أن زججتم بهم في الشارع، تتنصلون من مسؤوليتكم تجاههم، تنكرون أنكم السبب في خراب بيوت الكثيرين منهم، وقطع أرزاقهم، خاصة من يعملون في القطاع الخاص الذي فيه شركات لن تقف أبداً عند أية أمور عاطفية بل ستتحرك بناء على ربحها وخسارتها ومدى الضرر الذي تكبدته. في كل مرة الشماعة تعلق، باعتبار أن الموقوفين المرتكبين لجرائم وجنح هم نساء وشباب وأحداث، وكأن القانون لا يجب أن يطال أي شريحة منهم، مثلما هي مضامين خطاباتكم في الخارج بشأن الأطباء والمحامين وبعض الحقوقيين، وكأن هؤلاء يحق لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم، أن يتحول الطبيب إلى جزار، والمحامي إلى كذاب، والحقوقي إلى مزور، ولكن ''حرام... حرام'' أن يطبق عليه القانون. جلسوا في الدوار لتأجيج الوضع ولتجييش الشارع، وحينما عرفوا بموعد الإخلاء في هذه البقعة، لم يكن هناك حتى أثر لغبارهم، ألم تتساءلوا قط يا من تبعتم هؤلاء وأضاعوكم، لماذا تركوكم في واجهة الأمور حينما دقت ساعة الحقيقة واختفوا؟!، وألم تتساءلوا اليوم أين هم من عملية مساعدتهم لمن تسببوا في فقدان وظائفهم، رغم أن مرجعيتهم يمتلك من المال ما شاء الله؟! أين رئيس اتحاد النقابات من العمال المسرحين؟! هو في الخارج ينعم بالأجواء الباردة، بينما من صدقوه ونفذوا مطالبه بالإضراب هم من تأذوا؟! للأسف شارع ''الوفاق'' هم أكثر المتضررين من هذه الجمعية، وسيزيد الضرر عليهم للأسف إن قبلوا بأن تقودهم عناصر بالجمعية في مساع متكررة لتحقيق أجندتها التي لن تتغير، ونعني بها اختطاف الدولة والحكم. وهنا دعونا نوقف الكلام الملتوي ولنتحدث بصراحة يا علي سلمان ويا وفاق ويا من معها، تحاولون خداع مَن حينما تحلفون بأغلظ الأيمان بأن هدفكم ليس اختطاف الدولة، وليس كرسي الحكم فيها؟! كلنا يعرف القصة القديمة التي تتجدد، كلنا يعرف ما كنتم تقولونه في ''الهايد بارك''، وكلنا نعرف شكل النهاية التي تريدونها، لكن الفارق هنا أن البحرين فيها مكونات أخرى ترفض أن تكون تبعاً لأي جمهورية، وترفض أن تكون عبيداً لأي فقيه مهما كانت ولايته. والله ''الوفاق'' محظوظة بصراحة، حينما تتحصل لها على فئة تقبل بأن تذهب ضحية لأحلام عيسى قاسم وعلي سلمان، تقبل بأن تموت من أجلهم لا من أجل قضية ربانية عادلة، وتقبل بأن تقدم وتقدم الكثير، لكن في النهاية لا تتحصل إلا على الألم والضياع والمستقبل المظلم. ؟ اتجاه معاكس.. نشد على يد وزير الداخلية الفاضل فيما قاله بأنه لا عودة إلى الفوضى، وأن التعامل يجب أن يكون وفق القانون والمبادئ، وهذا بالتحديد ما كان الناس المخلصون يطالبون به، بألا يكون هناك تهاون مع كل من تسول له نفسه العبث بأمن هذا البلد وأهله، وألا يستمر أي تعاط نراه بمثابة التراخي مع الذين طالما أمنوا العقوبة فأساؤوا الأدب. والله أشهر السلامة الوطنية الثلاثة أعادت في عيوننا هيبة رجل الأمن، والتي نُصر على ألا تتراجع مطلقاً، باعتبار رجال الأمن هم أول خطوط تطبيق القانون والحفاظ عليه، هم أهم عوامل حفظ الأمن والنظام. نقدر للرجال البواسل في الداخلية وما قام به إخوانهم في قوات الجيش بتفريعاته، ونؤكد بأنهم هم أصحاب الاستمرارية في حمل راية الحفاظ على أمن المجتمع. لا عودة إلى الفوضى يا جماعة ولا للقبول بها، ولو بنسبة 1٪، لأنكم إن قبلتم بها مرة، فستجدونها تتكرر أكثر من مرة
فيصل الشيخ
صحيفة الوطن - العدد 2027 الأربعاء 29 يونيو 2011