إن كان الدكتور بسيوني - رئيس لجنة التحقيق المشكلة بأمر جلالة الملك- يقرأ هذه السطور، فربما جاز لنا سؤاله عما يفسر به خطاب أمين عام الوفاق علي سلمان مؤخراً بأنهم سيعودون إلى الشارع إن سار الحوار الوطني عكس ما يريدون؟! لهجة التهديد والتلويح بإعادة الفوضى على الأرض واضحة تماماً، ولا تحتاج إلى بحث دقيق ليُفهم من الخطاب بأن سلمان ومن معه لا يعترفون إلا بديمقراطيتهم هم، إن جاز لنا تسميتها ديمقراطية، إذ في الحقيقة هي دكتاتورية فرض الرأي الواحد، وتغليب الصوت الواحد ولو استدعى ذلك حرق البلد. في الخطاب الذي تسرب ونشرته منتديات إلكترونية، طلبت الوفاق من جلالة الملك تشكيل الحوار حسبما تراه هي، بل تصل إلى مرحلة المطالبة بتعطيل القانون، والإفراج عن الموقوفين بتهم تصل لمستوى قلب نظام الحكم. ونتساءل هنا: في أي دولة في العالم تنصب قوى سياسية نفسها في موضع السلطة القضائية؟! تبرئ ساحة من تريد وتجرم ساحة من تريد؟! يتداولون أيضاً دعوة وفاقية للناس ليرفعوا قضايا على الإعلاميين الذين تعتبرهم الوفاق سبباً في الأزمة. وكأن الإعلاميين الذين تحركوا بدوافع مخلصة لهذه الأرض، ودافعوا بوطنية عنها وعن رموزها وشعبها المخلص، كأنهم ارتكبوا جرائم أفظع مما ارتكبت في الدوار وتوابعه من مسيرات سدت الشوارع وأرهبت الناس، ومسيرات سيرت بقصد الاستفزاز والتصادم ليس إلا. غريب هذا المنطق الذي يصنف من يدافع عن وطنه وشرعية نظامه بأنه خائن عميل، في وقت يكون الوطني من زور علم بلاده، وتهجم على رموز الحكم، ومن همش مكونات المجتمع الأخرى، وسعى لسرقة أصواتهم، وكأنه يعيش لوحده في البلد. إن كنتم تريدون محاكمة من يختلف معكم، فقط لأنه انتقدكم وفضح مخططكم الآثم تجاه الوطن، لماذا بالتالي تنزعجون من مطالبة الناس بمحاكمة وتطبيق القانون على من حرق البحرين وهدد أمن شعبها وتطاول على قياداتها، ووصل إلى قتل رجال الشرطة والبسطاء بدم بارد؟! والله عجيب ما يحصل في البحرين! يصور المحرض ومن لديه ارتباطات واضحة بالخارج، ومن أججّ الشارع و''بهدل'' عيشة الناس ونشر الرعب والخوف، يصور على أنه المناضل الوطني المخلص. يغازل الشارع السني تارة، كونه يدرك أن هذا الشارع يقف في مواجهته ولن يقبل لا اليوم ولا غداً أن تختطف بلده، أو أن يتسلم هؤلاء زمامها. ويقوم بعدها بمغازلة النظام الحاكم بمعسول الكلام، ثم ينقلب على عقبيه حينما يدرك بأن الأمور لا تسير على هواه، لأنه ليس الوحيد في البلد، فيتحول إلى خطابه الحقيقي الذي يتوعد فيه ويهدد. أي دلائل أكثر تريدون على كونها مؤامرة تستهدف الحكم في البلد، وأنها حراك يقتات على الطائفية البغيضة؟! أي دلائل أكثر تريدون لبيان أن ما حصل لا يمت للسلمية بصلة؟! يقول سلمان بأنه سيعود للشارع إن لم تسر الأمور على ما يريده هو، بمعنى آخر أن توافق 94٪ من الملبين لدعوة الحوار على أمور لا تعجبه فإن كلامهم لا وزن له لديه، بل العودة لقنابل المولوتوف وسد الشوارع وتهديد الناس واللعب في أمن البلد هو حله الوحيد. خبرونا في أي دولة في العالم يقبل نظامها بأن يحصل له ما يحصل في البحرين؟! هل تقبل الولايات المتحدة أن يتم التهديد هكذا صراحة بحرق الشارع وتحشيد الناس لمناهضة القانون والنظام، وتقف صامتة تتفرج؟! بل هل تقبل إيران نفسها أن ترى نسخة مشابهة لعلي سلمان يفعل ما يفعله وترخي له العنان، ولا تحاسبه؟! لم نصدق أن تعود الحياة في البحرين إلى شيء من الاستقرار بفضل من الله ثم بحكمة قادتها، حتى يعود لنا من أشعل الفتيل تلو الآخر، ليلوح بإشعال فتيل جديد، وكأنه هو المتحكم في مصير دولة وشعب؟! نحن هنا باسم المخلصين لهذا الوطن نطالب الأجهزة الأمنية بأن تشدد من إجراءات ضبط الانفلات في الشوارع، وأن تقوم بدورها في حماية الناس والممتلكات العامة على أكمل وجه، بل نطالب الدولة بعدم التهاون مع أي شخص يسعى لحرق البحرين من جديد. ندرك تماماً حجم الخطوة الشجاعة التي قام بها جلالة الملك، عبر تشكيل لجنة تقصي الحقائق، كما ندرك المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة في تنفيذ المرئيات التي سيخلص لها حوار التوافق الوطني، لكن مع كل هذا لا يجب أن ننسى أهم دعامة من دعامات الدولة، وهي الأمن والاستقرار، وهو المطلب الأول لكل بحريني اليوم، عانى الكثير في الأزمة التي مرت علينا. القانون أولاً، فالشارع المخلص مازال يتعرض للاستفزاز وهو ضابط لأعصابه، ونطلب منه التحلي بمزيد من الحلم الذي تحلى به قادة البلد خلال الشهرين المشؤومين، فلسنا نبحث عن عراق ثانية مثلما يبحث علي سلمان ومن معه
فيصل الشيخ
صحيفة الوطن - العدد 2032 الأثنين 4 يوليو 2011