Monday, July 4, 2011

التهديد بالعودة إلى الشارع

إن كان الدكتور بسيوني‮ - ‬رئيس لجنة التحقيق المشكلة بأمر جلالة الملك‮- ‬يقرأ هذه السطور،‮ ‬فربما جاز لنا سؤاله عما‮ ‬يفسر به خطاب أمين عام الوفاق علي‮ ‬سلمان مؤخراً‮ ‬بأنهم سيعودون إلى الشارع إن سار الحوار الوطني‮ ‬عكس ما‮ ‬يريدون؟‮!‬ لهجة التهديد والتلويح بإعادة الفوضى على الأرض واضحة تماماً،‮ ‬ولا تحتاج إلى بحث دقيق ليُفهم من الخطاب بأن سلمان ومن معه لا‮ ‬يعترفون إلا بديمقراطيتهم هم،‮ ‬إن جاز لنا تسميتها ديمقراطية،‮ ‬إذ في‮ ‬الحقيقة هي‮ ‬دكتاتورية فرض الرأي‮ ‬الواحد،‮ ‬وتغليب الصوت الواحد ولو استدعى ذلك حرق البلد‮.‬ في‮ ‬الخطاب الذي‮ ‬تسرب ونشرته منتديات إلكترونية،‮ ‬طلبت الوفاق من جلالة الملك تشكيل الحوار حسبما تراه هي،‮ ‬بل تصل إلى مرحلة المطالبة بتعطيل القانون،‮ ‬والإفراج عن الموقوفين بتهم تصل لمستوى قلب نظام الحكم‮. ‬ونتساءل هنا‮: ‬في‮ ‬أي‮ ‬دولة في‮ ‬العالم تنصب قوى سياسية نفسها في‮ ‬موضع السلطة القضائية؟‮! ‬تبرئ ساحة من تريد وتجرم ساحة من تريد؟‮!‬ يتداولون أيضاً‮ ‬دعوة وفاقية للناس ليرفعوا قضايا على الإعلاميين الذين تعتبرهم الوفاق سبباً‮ ‬في‮ ‬الأزمة‮. ‬وكأن الإعلاميين الذين تحركوا بدوافع مخلصة لهذه الأرض،‮ ‬ودافعوا بوطنية عنها وعن رموزها وشعبها المخلص،‮ ‬كأنهم ارتكبوا جرائم أفظع مما ارتكبت في‮ ‬الدوار وتوابعه من مسيرات سدت الشوارع وأرهبت الناس،‮ ‬ومسيرات سيرت بقصد الاستفزاز والتصادم ليس إلا‮.‬ غريب هذا المنطق الذي‮ ‬يصنف من‮ ‬يدافع عن وطنه وشرعية نظامه بأنه خائن عميل،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يكون الوطني‮ ‬من زور علم بلاده،‮ ‬وتهجم على رموز الحكم،‮ ‬ومن همش مكونات المجتمع الأخرى،‮ ‬وسعى لسرقة أصواتهم،‮ ‬وكأنه‮ ‬يعيش لوحده في‮ ‬البلد‮.‬ إن كنتم تريدون محاكمة من‮ ‬يختلف معكم،‮ ‬فقط لأنه انتقدكم وفضح مخططكم الآثم تجاه الوطن،‮ ‬لماذا بالتالي‮ ‬تنزعجون من مطالبة الناس بمحاكمة وتطبيق القانون على من حرق البحرين وهدد أمن شعبها وتطاول على قياداتها،‮ ‬ووصل إلى قتل رجال الشرطة والبسطاء بدم بارد؟‮!‬ والله عجيب ما‮ ‬يحصل في‮ ‬البحرين‮! ‬يصور المحرض ومن لديه ارتباطات واضحة بالخارج،‮ ‬ومن أججّ‮ ‬الشارع و‮''‬بهدل‮'' ‬عيشة الناس ونشر الرعب والخوف،‮ ‬يصور على أنه المناضل الوطني‮ ‬المخلص‮.‬ يغازل الشارع السني‮ ‬تارة،‮ ‬كونه‮ ‬يدرك أن هذا الشارع‮ ‬يقف في‮ ‬مواجهته ولن‮ ‬يقبل لا اليوم ولا‮ ‬غداً‮ ‬أن تختطف بلده،‮ ‬أو أن‮ ‬يتسلم هؤلاء زمامها‮. ‬ويقوم بعدها بمغازلة النظام الحاكم بمعسول الكلام،‮ ‬ثم‮ ‬ينقلب على عقبيه حينما‮ ‬يدرك بأن الأمور لا تسير على هواه،‮ ‬لأنه ليس الوحيد في‮ ‬البلد،‮ ‬فيتحول إلى خطابه الحقيقي‮ ‬الذي‮ ‬يتوعد فيه ويهدد‮.‬ أي‮ ‬دلائل أكثر تريدون على كونها مؤامرة تستهدف الحكم في‮ ‬البلد،‮ ‬وأنها حراك‮ ‬يقتات على الطائفية البغيضة؟‮! ‬أي‮ ‬دلائل أكثر تريدون لبيان أن ما حصل لا‮ ‬يمت للسلمية بصلة؟‮! ‬ يقول سلمان بأنه سيعود للشارع إن لم تسر الأمور على ما‮ ‬يريده هو،‮ ‬بمعنى آخر أن توافق‮ ‬94٪‮ ‬من الملبين لدعوة الحوار على أمور لا تعجبه فإن كلامهم لا وزن له لديه،‮ ‬بل العودة لقنابل المولوتوف وسد الشوارع وتهديد الناس واللعب في‮ ‬أمن البلد هو حله الوحيد‮.‬ خبرونا في‮ ‬أي‮ ‬دولة في‮ ‬العالم‮ ‬يقبل نظامها بأن‮ ‬يحصل له ما‮ ‬يحصل في‮ ‬البحرين؟‮! ‬هل تقبل الولايات المتحدة أن‮ ‬يتم التهديد هكذا صراحة بحرق الشارع وتحشيد الناس لمناهضة القانون والنظام،‮ ‬وتقف صامتة تتفرج؟‮! ‬بل هل تقبل إيران نفسها أن ترى نسخة مشابهة لعلي‮ ‬سلمان‮ ‬يفعل ما‮ ‬يفعله وترخي‮ ‬له العنان،‮ ‬ولا تحاسبه؟‮! ‬ لم نصدق أن تعود الحياة في‮ ‬البحرين إلى شيء من الاستقرار بفضل من الله ثم بحكمة قادتها،‮ ‬حتى‮ ‬يعود لنا من أشعل الفتيل تلو الآخر،‮ ‬ليلوح بإشعال فتيل جديد،‮ ‬وكأنه هو المتحكم في‮ ‬مصير دولة وشعب؟‮!‬ نحن هنا باسم المخلصين لهذا الوطن نطالب الأجهزة الأمنية بأن تشدد من إجراءات ضبط الانفلات في‮ ‬الشوارع،‮ ‬وأن تقوم بدورها في‮ ‬حماية الناس والممتلكات العامة على أكمل وجه،‮ ‬بل نطالب الدولة بعدم التهاون مع أي‮ ‬شخص‮ ‬يسعى لحرق البحرين من جديد‮.‬ ندرك تماماً‮ ‬حجم الخطوة الشجاعة التي‮ ‬قام بها جلالة الملك،‮ ‬عبر تشكيل لجنة تقصي‮ ‬الحقائق،‮ ‬كما ندرك المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة في‮ ‬تنفيذ المرئيات التي‮ ‬سيخلص لها حوار التوافق الوطني،‮ ‬لكن مع كل هذا لا‮ ‬يجب أن ننسى أهم دعامة من دعامات الدولة،‮ ‬وهي‮ ‬الأمن والاستقرار،‮ ‬وهو المطلب الأول لكل بحريني‮ ‬اليوم،‮ ‬عانى الكثير في‮ ‬الأزمة التي‮ ‬مرت علينا‮.‬ القانون أولاً،‮ ‬فالشارع المخلص مازال‮ ‬يتعرض للاستفزاز وهو ضابط لأعصابه،‮ ‬ونطلب منه التحلي‮ ‬بمزيد من الحلم الذي‮ ‬تحلى به قادة البلد خلال الشهرين المشؤومين،‮ ‬فلسنا نبحث عن عراق ثانية مثلما‮ ‬يبحث علي‮ ‬سلمان ومن معه

فيصل الشيخ
 صحيفة الوطن - العدد 2032 الأثنين 4 يوليو 2011