Friday, June 8, 2012

يخرج لبنان من الأزمة عندما يتحول كل مواطن مقاتلاً

رغيد الصلح
إذا أسفرت طاولة الحوار الوطني اللبناني التي ستُعقد الاثنين المقبل بدعوة من رئاسة الجمهورية اللبنانية، عن التخفيف من حدة الاحتقان المتفشي في الشارع اللبناني فإنها تحقق إنجازاً مهماً. وإذا أدى التخفيف من الاحتقان الطائفي والمذهبي المتفاقم إلى إبعاد شبح الحرب الأهلية عن لبنان واللبنانيين، فإن المبادرة إلى تنظيم الطاولة تستحق الدعم والمساندة. وإذا كان من نتائج الطاولة حضّ الأطراف المشاركة في الطاولة على الإفصاح عن آرائها في مسألة استراتيجية الدفاع الوطني بحيث يترك للرأي العام الحكم على مواقفها فإن المبادرة تستأهل التنويه. على رغم هذه الإيجابيات المرتجاة أو بالأحرى بسببها، فإن الطاولة تثير ملاحظات واستفسارات تتناول الجوانب الآتية:
أولاً، تركيب «الهيئة»: هذا الجانب يثير الملاحظتين الآتيتين المتداخلتين: الأولى، متعلقة بالنهج الذي اعتمد في اختيار أسماء المشاركين في هذه المبادرة. على هذا الصعيد، وعندما يتم تركيب أية هيئة من هذا النوع فإن المشكلة لا تكون عادة في المشتركين فيها وإنما في المستبعدين عن هذه الهيئة. وهكذا، فإنه عندما بدأت اجتماعات الطاولة، لم تكن هناك اعتراضات أو تحفظات ملفتة للنظر عن أسماء المشتركين في أعمالها، وإنما انتقد الكثيرون الطاولة بسبب من غُيِّب عنها. هذه الانتقادات ستتكرر مرة أخرى عند انعقاد الطاولة وتشكل ثغرة في العمل الحواري. إذا أراد القيمون على الحوار تلافي هذه الثغرة فإنه حري بهم أن يصدروا بياناً تفسيرياً حول أعمال هيئة الحوار الوطني يلقي ضوءاً عليها وعلى المعايير والأسس التي اعتمدت في اختيار المشاركين في الطاولة.
الثانية، متعلقة بطبيعة المشاركين في الطاولة. التحفظ الأبرز هنا هو أنه بينما احتلت قوى الوضع الراهن الطاولة، فإن القوى المعنية بالتغيير والمستفيدة منه غيبت عنها. هذه الملاحظة تطرح سؤالاً مهماً: ترى من هو المقصود بقوى التغيير؟ الجواب الذي يتردد على ألسنة ناقدة: إنهم الشباب والنساء والاتحادات النقابية والمهنية والمهجر اللبناني. إلى جانب هؤلاء يمكننا أن نضيف، وفي جلسة حوارية مخصصة لبحث قضايا الدفاع الوطني، المؤسسة العسكرية اللبنانية. إن دعوة المنظمات والمؤسسات التي تمثل ما يدعى بقوى التغيير ليست أمراً سهلاً. إنها بالفعل طريق وعرة. ولكن النجاح في اجتيازها يعتبر إنجازاً كبيراً يستحق أن تخصص له الرئاسة اللبنانية المزيد من الجهد بحيث تضمن مشاركة أوسع للبنانيات واللبنانيات في الحوار.
ثانياً، دور الهيئة: هذا الدور لا يزال غامضاً ما يعرضها ويعرض الرئاسة إلى نقد قد لا يكون مبرراً. من أجل وضع حد لهذا الغموض غير البناء، فإنه لا بد من الإجابة على أسئلة يطرحها الكثيرون من اللبنانيين كالتساؤل عما إذا كانت طاولة الحوار هيئة دائمة أم موقتة، أو عما إذا كانت مجلس حوار أو سلطة تقرير. كذلك، يتساءل مواطنون عن علاقة الهيئة بمجلس النواب اللبناني. هذا التساؤل لا ينفي أهمية الحوار ولا يقلل من دوره ولا من الحاجة إليه. على العكس من ذلك، يؤكد الذين يطرحون مسألة علاقة الهيئة بالمجلس، أهميةَ الحوار، ولأنهم مقتنعون بذلك فإنهم يعتقدون أن مكانه الطبيعي هو مجلس النواب اللبناني، فهو الجهة المعبرة عن مشاعر المواطنين والمواطنات وعن هواجسهم ومخاوفهم، وعن تطلعاتهم وآمالهم. وإذا كان عند المواطنين من مقترحات وتوصيات وإذا كان لدى الزعماء مقترح يعتقدون أنها تفيد الوطن فحري بهم إطلاقها عبر الندوة النيابية. هذا ما تقوله الأعراف الديموقراطية. فهل تكون طاولة الحوار رديفاً للبرلمان يمده بما اتفق عليه الزعماء من توصيات ومشاريع، أم تكون سلطة تقرير تسير الحكومة والمجلس معاً كما كانت لجنة مصغرة شكلتها الأحزاب المؤتلفة في النمسا لقيادة البلد بعد أن اتفقوا على إنهاء الحرب الأهلية وبعد أن انتهت الحرب العالمية؟
إن إنجاح الحوار الوطني اللبناني يقتضى إجلاء هذه النقطة في البيان التفسيري المقترح، فإذا تم ذلك وعرف القصد من الطاولة ومن الحوار لانتفت الحاجة إلى وضع الشروط القاسية على الاشتراك في الحوار، ولما كان هناك مسوغ إلى طرح مشاريع لا ريب في جلالها وأهميتها ولكنها تبهظ الموضوع المباشر للطاولة وتحيد بها عن هذا الموضوع المحدد الذي تأخرت مناقشته سنوات من دون مبرر مشروع.
ثالثاً، أجندة الطاولة: ولقد جاء في الدعوة أنها ستناقش موضوع الاستراتيجية الوطنية الدفاعية، ولكنها ركزت على معالجة موضوع السلاح غير الرسمي (المقاومة، الفلسطيني، والمنتشر بين أيدي الناس). واختير التركيز على هذا الموضوع لسبب بديهي أي لأنه يثير الانقسامات الحادة بين اللبنانيين ما يجعل بحثه بصورة معمقة وهادئة أمراً ملحاً بخاصة في الأجواء العاصفة التي يمر بها البلد. أضيف إلى ذلك سبب آخر «فالعدو معروف والسلاح يوجه إليه». ولكن، ما اعتبر معروفاً بداهة هو غير ذلك في رأي هذا الكاتب. فعندما يتم الإفراج المبكر عن أشخاص سجنوا بتهمة العمالة مع العدو الإسرائيلي، وعندما يعامل هؤلاء معاملة الأبطال، وعندما ينصرفون بدلاً من المطالبة بإنصافهم إذا كانت الاتهامات ضدهم باطلة، إلى تهديد كل من تجرأ على التنديد بأعمالهم، وعندما تسكت الدولة عن مثل هذه التهديدات بدلاً من أن تسارع إلى التحقيق فيها واتخاذ التدابير المناسبة بصددها، عندما يحصل كل ذلك فإنه تكون هناك حاجة ملحة إلى إعادة تثبيت القيم الوطنية. ولكن، حتى لو لم نشهد مثل هذه الظاهرة التي تستفز المشاعر الوطنية وتدل على وجود خلل كبير في سلم القيم العامة، فإن البحث في موضوع السلاح غير الرسمي سيكون ناقصاً إذا لم يسبقه بحث في مجمل الاستراتيجية الدفاعية.
تنقسم القوى الممثلة في طاولة الحوار إلى فريقين رئيسين: فريق يعتقد أن من المستطاع تحقيق هذه الغاية عبر الحفاظ على المقاومة وإفساح المجال أمامها لكي تعزز قدراتها العسكرية وتشكل رادعاً ضد العدوان والتوسعية الإسرائيليين. فريق آخر يرى أن من المستطاع تحقيق هذا الغرض الدفاعي حتى لو تخلت المقاومة أو حزب الله عن سلاحه. في الوقت الذي يتمحور النقاش حول سلاح حزب الله، فإنه سيبقى قاصراً عن توفير إجابات على أسئلة عدة متعلقة بصلب قضية استراتيجية الدفاع الوطني اللبناني. أهم الأسئلة هو المتعلق بمستقبل القوات اللبنانية المسلحة ودورها وقدرتها على الاضطلاع بالدور المطلوب منها في الدفاع عن أرض الوطن وحمايته من العدوان. فهل يملك الذين يطالبون بسحب سلاح المقاومة تصوراً حول الطرق والوسائل التي يمكن اللجوء إليها من أجل تعويض خيار تحييد المقاومة اللبنانية وإنهائها؟ من ناحية أخرى، هل يملك الذين يطالبون بالحفاظ على المقاومة وعلى سلاحها على تصوراً واضحاً لكيفية تطوير قوة الجيش اللبناني ودوره في ردع العدوانية والتوسعية الإسرائيليين؟
إن البديل الحقيقي عن المقاربتين الناقصتين لمسألة الأمن الوطني اللبناني ولردع توسعية العدو، ولانتظام العلاقات الأمنية مع الأشقاء والأصدقاء هو تطبيق نظام الدفاع الشامل الذي يحول كل لبناني إلى مقاتل. الدول التي طبقت هذا النظام وجربته بصورة ملموسة قادرة على تجنيد 10 في المئة من سكانها من أجل مجابهة مشاريع العدوان والتوسع واستنفار كل طاقاتها وقدراتها لمواجهة العدو. تطبيق مثل هذا النظام هو المدخل الحقيقي لتحقيق الوحدة الوطنية بين اللبنانيين ولتجنيب لبنان شر الحرب الأهلية التي خبرها ولإعادة الاستقرار إلى البلد وإلى حل الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اللبنانيون. تستطيع طاولة الحوار تحقيق خطوة على هذا الطريق إذا تقدمت بتوصية إلى الحكومة اللبنانية بإعادة تطبيق قانون خدمة العلم بعد مراجعته وتعديل بعض البنود التي عرقلت تنفيذه على نحو سليم.