Friday, June 8, 2012

العقل العربي وثقافة الديموقراطية

علي سعد الموسى
إذا ما أردت أن تكشف عورات العقل العربي مع – ثقافة الديموقراطية – فانظر لما يحصل في ألبوم الصور للشقيقة مصر. في الجولة الأولى، حصل مرشح اسمه – خالد علي – على فراطة 134 ألف صوت من بين أربعة وعشرين مليون مقترع، وهذا يعني أنه حصد صوتاً واحداً من بين كل مئتي صوت، ومع كل هذه الخسارة الفادحة عاد خالد علي ليقود الجماهير في ميدان التحرير ثم يعلن أمام الآلاف أنه سيعلن من الميدان، وغداً الجمعة، مجلساً رئاسياً (لأنه مطلب الثورة الثاني، بعد الأول وهو إلغاء جولة الإعادة). وبجوار خالد علي في المنصة وقف حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح، وهو الثلاثي الخاسر في اقتراع حر نزيه كان فيه الصندوق هو الحكم من حلايب حتى دمياط. من المخجل للعقل العربي أن تبلع قامات مثل صباحي وأبوالفتوح موقفيهما قبل الجولة الأولى وأن يكون – الميدان – هو الصندوق الذي اختصر فيه عشرات الآلاف أصوات عشرات الملايين.. هذا هو عقل العربي مع ثقافة الديموقراطية. إن لم تفز بشرعية الصندوق فإن الشوارع هي الحل.
مشكلة العربي مع ثقافة الديموقراطية لها جانبان: جيني بيولوجي وآخر تربوي. أما الجيني البيولوجي فلأنه ممتلئ بهرمونات عاطفية تدفعه لأن يكون غوغائياً وساخناً شديد الارتباك مثلما هو اندفاعي في ردة فعله التي تفتقد لأبسط مقومات تحكيم العقل. العربي بحاجة إلى علماء نفس وإلى أبحاث هائلة في – البيوكمستري – لضبط جينات وكروموزمات هندسته الوراثية. وفي الجانب التربوي، وإذا كانت النخب العليا بهذه المواقف المخجلة في القبول بنتاج الصندوق، فما بالك بالعوام وسائر الطبقات العادية؟ مازال العربي بالبرهان في مرحلة الروضة لكنهم يستعيرون نماذج الديموقراطية التي وصلت فيها شعوب إلى ما بعد – دكتوراة – الديموقراطية.. يقرأ ما بعد دكتوراة الآخرين وهو مازال بالبرهان في الروضة. الديموقراطية تدريب وتأهيل وتعليم وممارسة. ومن العار بمكان لإنحطاط العقل العربي أن يقود الجماهير مرشح ثانوي هامشي مغمور، مثل خالد علي، وأن يصادر الصندوق ليعلن مع الخاسرين الآخرين مجلسهم الرئاسي. في فرنسا، خسر ساركوزي أمام هولاند بفارق نقطة مئوية واحدة. وفي اليوم التالي دعاه إلى الإليزيه وأفطرا معاً على فاتورة كانت تكلفتها 85 يورو ثم سلمه – رمزياً – ثلاثين مفتاحاً لغرف قصر الرئاسة. وبعد الإفطار خرج ساركوزي من باب جانبي ببدلة رياضية ثم ذهب للجري في غابة – بولونيا – على أطراف شمال باريس وفي نهاية الغابة واجه عشرات الصحفيين ولم يقل لهم سوى جملة واحدة: شكراً هولاند لقد افتقدت الغابة لخمس سنين. كم هي المسافة شاسعة واسعة ما بين عقلين حتى وهما يتمتعان بذات المستوى النظري من الحرية.