Friday, June 8, 2012

الديمقراطية لمن

أمينة أبو شهاب
الديمقراطية، في ما آلت إليه في مصر، هي للقوى المنظمة في شكل مؤسسي والمدعومة مالياً، تلك القوى التي ركزت إمكاناتها البشرية والمادية لعقود لتكون بديلاً أول جاهزاً عن السلطات في حال استبدالها. الديمقراطية في مصر، في ما انتهت إليه حتى هذه اللحظة، هي لمصلحة هذه القوى وليست لمصلحة غيرها من القوى السياسية للقفز إلى الحكم وذلك ضمن آليات الديمقرطية وشروطها ومتطلباتها في الوقت ذاته.
عرفت هذه القوى حدود الديمقراطية الغربية وثغراتها وأمراضها المزمنة، كما عرفت نقاط قوتها فيها وأسهمها الرابحة في السباق مع الغير وهي أسهم احتكار الدين والتدين والتحدث باسمها. وهنالك أيضاً قوة أخرى في الإمكانية المستقبلية لهذه القوى وتبدو ملامحها في البرهة الحاضرة، ألا وهي قوة الإعلام، هذه القوة التي تضاف إليها سلطة الإقناع الديني أو المغلف بالدين والذي يمكن أن تستخدمه هذه القوى السياسية في امتلاكها لسلطات البلد كاملة، تنفيذية وتشريعية ورئاسية، الخ .. في حال تمكنها من الوصول إلى السلطة الرئاسية، ماذا يمكن أن يصبح عليه الواقع الإعلامي في مصر بكل إمكاناته البشرية ونجومه ومجالاته الواسعة في التأثير في دائرته المصرية وفي محيطه العربي؟ ولقد رأينا مقدمة من هذا في الأيام الأخيرة بما شاهدناه من تغير ملحوظ للإعلام المصري الذي طالما هاجمته هذه القوى نظراً لانتقاده لها وتعاطف أصوات فيه مع النظام السابق ومن يمثله من المرشحين. لقد غيرت بعض الوجوه الإعلامية مواقفها السياسية مبدية نيتها التصويت لمرشح جماعة الإخوان المسلمين وذلك توقعاً واستباقاً - في ظنها - لفوزه المؤكد في الإعادة، إنها عادة متأصلة في بلد كبير مثل مصر أن يميل بعض أهل الثقافة والإعلام مع من يمتلك السلطة وأن يقفوا ضد من تدول دولته. ماذا يمكن أن يكون عليه الإعلام في حال أصبح السلاح الأخطر في يد هذه الجماعات وهي تتبوأ الحكم؟ وماذا يمكن أن يقول ميدان التحرير عن الديمقراطية ومن يكسبها ويكسب جولتها أكثر مما قاله من قبل، وقد امتلأت ساحته بالمتظاهرين الغاضبين وأصواتهم وما يرددونه من مطالب سياسية وذلك في استحكام للأزمات الشاملة في مصر وفي تجسيد لها ورد فعل عليها.
وبرغم أن الميدان وما حدث فيه خلال الأيام الأخيرة قد استقطب الاهتمام وحاز مساحات كبيرة في التغطية الإعلامية، فإن المكاسب السياسية ليست لمتظاهريه و”ثواره”، وإنما من يحصدها بالفعل هي تلك القوى السياسية المنظمة التي وضعت الحكم نصب عينيها منذ زمن طويل ولم تنظر إلا لحكم قبضتها بكلتا يديها على الكرسي.
لقد خرج “الإخوان” سابقاً من الميدان بعد أن استنفدوا غرضهم منه متحدثين عن “شرعية البرلمان وليس شرعية الميدان”، ولكنهم عادوا إليه في الأيام الأخيرة منتهزين أحكام القضاء المصري على الرئيس السابق وابنيه ومعاونيه وما تركته من غضب وردود أفعال عكسية لما قصده المجلس العسكري وهو رفع أسهم أحمد شفيق من خلال الحكم بالمؤبد على حسني مبارك ووزير داخليته. لقد احتوى الحكم على ثغرة مميتة هي تبرئة ساحة علاء وجمال مبارك والمعاونين، وكانت هذه الثغرة هي التي عاد “الإخوان” من خلالها إلى “الثورة” مدافعين عنها ضد النظام القديم والمجلس العسكري الذي كان حليفاً وقتياً ليصبح هذه الأيام الخصم الذي أخذ يخسر أمام “الإخوان” بسبب خطأ في الحسابات، ويخسر معه بذلك المرشح لجولة الإعادة أمام الإخوان محمد مرسي، أحمد شفيق الذي نالت منه كثيراً، بلا شك، أزمة الأحكام القضائية ومعها الحملات الإعلامية الإخوانية التي تجرده من حق الترشح بالأساس، وذلك من خلال قانون العزل السياسي.
وهكذا، وبينما مطالبات ميدان التحرير بعشرات ألوفه ومئاته في جانب وهي تنصب الآن حول مجلس رئاسي يدير شؤون مصر، نرى “الإخوان” في سياق آخر وحركة عمل مختلفة تبلور خياراً وحيداً في الأذهان هو خلو الطريق الرئاسي إلا من مرشحهم محمد مرسي.
الإيحاء الذي تعزز في الآونة الأخيرة هو أنهم الجماعة الأقوى في مصر وأنهم البديل القادم وليس أحداً سواهم. ولهذا، فلا إمكانية لأن يكونوا شركاء مع المرشحين الآخرين اللذين لم يصلا إلى جولة الإعادة، حمدين صباحي وعبدالمنعم أبو الفتوح في مقترح المجلس الرئاسي مع أنهما يمثلان ثقلاً جماهيرياً يصل إلى ما يزيد على التسعة ملايين ناخب وهو ما يزيد كثيراً عما حصل عليه الإخوان من أصوات.
لا يريد شركاء “الثورة” المفترضون مشاركة الآخرين لهم في كعكتهم، وهم يغذون الخطى بسرعة نحو هدفهم الذي أصبح قريباً كما يبدو لهم، أما الشعب المصري بأغلبيته الساحقة (من غير النسبة المحددة التي صوتت للإخوان أخيراً)، فهو في حيرته المطبقة وارتيابه من القادم في ظل لعبة ديمقراطية عنوانها الاحتكام للصناديق. ولكن هذا الاحتكام محاط بالشك والتشويش وانعدام الخيارات، مادام أنه لم يبق إلا خيار واحد، أو هذا ما يقوله الإعلام هذه الأيام. هل هذا يقول شيئاً عن الديمقراطية، أم هو مذكر بنقيضها؟