Friday, June 8, 2012

قراءة في أطروحة كيسنجر حول الحرب المقبلة

فرحان العقيل
في محاولات فهم السياسة الأمريكية تستحضر غالبا آراء عجوزها المخضرم «هنري كيسنجر» وبعيداً عن عاطفية التحليل أو رد بعض الآراء إلى مصدرها حتى وإن كان بحجم كيسنجر أو الاستهانة بحيثياتها بحكم الشيخوخة أو الميول الفكري اليهودي للرجل، إلا أننا أمام حتميات تستوجب الفهم المتعمق لكل ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في مطلع هذا العام لصحيفة «ديلي سكيب»
اليومية في نيويورك، حيث حدد ملامح الحرب المقبلة بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى بعد أن أعطتهما الولايات المتحدة فرصة النهوض والاعتداد بالنفس بعد سقوط الشيوعية وانحسار الاتحاد السوفيتي تمهيداً لهذه المواجهة التي سيسبقها احتلال إسرائيل سبع دول شرق أوسطية استغلالاً لمواردها من النفط والغاز في تلك الحرب الشرسة التي ستنتصر فيها الولايات المتحدة ـ حسب رأي كيسنجر ـ تبعاً لآلة الحرب الضخمة لديها, فحديث كيسنجر لـ «الديلي سكيب»
كان عاماً سبق الفيتو الروسي الصيني المزدوج بشأن أحداث سوريا ومع أن الملمح الشامل لمجريات الأحداث ـ حسب رواية كيسنجر ـ ليس بجديد على الساحة وتكهناتها التاريخية سوى انه أعلن عن الخارطة الجيوسياسية للسيناريو المرتقب للحرب المقبلة، معتبراً الحدث الحلم الأسمى للولايات المتحدة , ومع أن جملة المحللين من أمريكان وغيرهم ممن اهتموا بأطروحة كيسنجر التي يشخصها البعض بنتاج الخرف السياسي لرجل في التسعين من العمر فقد ابتعد عن محددات السياسة الأمريكية التي تزين ذاتها غالباً برعاية الحريات والالتزام بتأسيس الديمقراطيات ومحاربة الإرهاب، بل ويدلل البعض على أن حلم كيسنجر لم يأخذ في الحسبان الحالة الاقتصادية المتردية لبلاده التي تعد الأسوأ في تاريخها، إلى جانب الفشل الذريع للتدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان الذي لم يفض إلى إيجابيات كاملة في نتائجه سوى انه نشط تجارة النعوش التي حملت رفات جنود الولايات المتحدة إلى ذويهم وصب الزيوت على نيران مشتعلة في مناطق تحمل الكثير من الحنق على الليبرالية الأمريكية ولا تتجانس أوساطها مع مجمل السياسة الأمريكية وتاريخها حيال المنطقة، وكانت حروبها تلك مدعاة لقيام الحركات المناهضة لهذه السياسة ومؤيديها في الحكومات المحلية, فكل تلك المسلمات أسقطها كيسنجر من حساباته في الحديث المشار إليه الذي حسبه البعض أيضا تحولا في الفكر السياسي للرجل الذي ظل مرجعاً للسياسة الأمريكية طيلة عقود طويلة خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط ومشاكله المعقدة التي تظل إسرائيل طرفاً نشطاً فيها, فالرجل هو صاحب نظرية «السياسة الواقعية Real politik» ومعاصر مراحل الحرب الباردة بين قطبي القوى العظمى، بيد أنه في تلك الفرضية غير المحددة بزمن «سوى أن الربيع العربي كان مشتعلا والمواجهة الغربية ضد الروس والصين كانت محتدمة بشأن سوريا ما أنجب الفيتو المزدوج «قد خلع واقعيات السياسة في أطروحته وظل تواقاً للحظة الحرب الحاسمة ضد الروس والصينيين, فهل تعد الولايات المتحدة الشرق الأوسط ليكون الطعم الأكبر للقوى العالمية المفترضة لتكون الملحمة الكبرى هنا وعما قريب؟ أم أن مجمل الأحداث هي مسكنات لتمادي التوغل الإسرائيلي وعبثه في المنطقة بمباركة كل أطراف القوى العالمية واتفاقها على أدوار محددة لكل طرف خاصة أن السيد كيسنجر ألمح إلى إيران بأنها الحجر الأخير في المواجهة العالمية المرتقبة ؟ عموماً تلك فرضيات مشحونة بالاستنتاج والتقديرات فقط، بينما للمشهد العام محدداته التي يفرضها على واقع العالم وضميره فسواء كانت المعادلات العالمية حول سوريا محددة الأطراف وقيم النتائج, إلا أن ليوميات الشارع ومنتجات الحدث ومكونه محدداتها أيضا والقادرة على قلب المعادلات في أغلب حالاتها مهما كانت مسوغاتها ومحاولات ضبط نتائجها.