Friday, June 8, 2012

حفريـــــات في الشــــــارع الســـــياســــي

صلاح الجودر
الخطابات الطائفية التي ازدادت وتيرتها في القنوات الفضائية ومراكز التواصل الاجتماعي وبعض الشوارع والطرقات جاءت بسبب السموم والأدواء التي نثرها دعاة الفتنة والمحنة بالعام الماضي، فقد حذرنا من أن تكون سبباً في مخطط تغيير هوية أبناء المنطقة الذي بشرت به بعض الدوائر الاستخباراتية تحت عنوان «الربيع العربي»، فقد كانت جميع المؤشرات تشير إلى ارتفاع وتيرة الخطابات الطائفية والمذهبية، وللأسف فإن الكثير من القوى الدينية والسياسية كانت تستهزئ بتلك التحذيرات وتعتبرها هرطقات أناس يعيشون عصر الصراع الطائفي، ولكن الأيام أثبتت للجميع صدق النبوءات التي كنا نحذر منها. بعد دخول القوات الأمريكية أرض العراق في عام 2003م لإسقاط نظام البعث وتصفية الحسابات القديمة مع الرئيس العراقي صدام حسين اشتعلت معها ومن خلالها الصراعات الطائفية بين العراقيين حتى تحولت أرض الرافدين إلى ساحات لسفك الدماء وتدمير الممتلكات ونشر الرعب والخوف بين الناس، وأبشع صور الصراع كانت من خلال استغلال المنابر الدينية، والدين منها براء!، وقد تناولنا خطورة مسلك التأجيج والتحشيد الذي يدفع إلى مزيد من الاحتقان والصراع والاصطفاف، فقد كانت التحذيرات متتالية في الكثير من المقالات والخطب، ومنها خطبة يوم الجمعة 10 أغسطس 2007م حينما حذرنا مما تتعرض له العراق من تغيير هويتها، والخوف من انتقال نار الفتنة إلى دول الجوار، ومنها البحرين التي زرعت فيها عقول عنفية تدميرية، تسعى لإشعال المجتمع وإشغاله بقضايا طائفية على حساب مشروع الإصلاح والنماء والبناء والرخاء، فالاستمرار في تلك الصراعات سيؤدي إلى ضياع حقوق الوطن والمواطن، حينها لن نجد من يتحدث عن بيوت الإسكان ولا الوظيفة ولا رفع مستوى المعيشة، فالجميع سيصبح مشغولا بأمن بيته وأسرته. التحذيرات التي أطلقناها قبل سنوات لاتزال قائمة بسبب استمرار حفريات الشارع السياسي، الحفريات التي تم تدشينها في فبراير عام 2011م حينما تبنى البعض المؤامرة الانقلابية تحت شعارات «التسقيط والموت والترحيل»، ومع ذلك جاءت الحلول والعلاجات لردم تلك الحفريات ضمن مبادرات إنسانية ولكن دون فائدة، فالعناد والصلف والاستعلاء من دعاة الفتنة والمحنة أضاع الكثير من المبادرات والفرص ولم يتبقى لهم سوى الجلوس تحت الطاولة للتباحث. لقد تخلى وتخلف الكثير من الرموز السياسية عن دورها الوطني في إيجاد مخرج لحالة الاحتقان التي تسبب فيها دعاة الفتنة والمحنة حينما أقاموا خيامهم ووضعوا فرشهم على دوار مجلس التعاون، فقد كان مسلكهم منذ تلك اللحظة العناد، فقد رفضوا الحوار، ورفضوا أن تكون لهم مطالب معقولة، بل رفضوا مكونات المجتمع الآخر مثل تجمع الوحدة الوطنية، فرضوا كل شيء وتمسكوا بقضية واحدة هي العنف، فقد استمروا في نهج العنف، فسكبوا الزيوت، وأحرقوا الإطارات، ورموا الحجارة، وأغلقوا الطرقات، ومارسوا العنف بجميع صنوفه حتى أذكوا نار العداوة والبغضاء بين الناس. لقد جاءت توصيات مؤتمرات الوحدة الوطنية والإسلامية إلى ترسيخ قيم الوحدة والانتماء والولاء، وانطلقت معها أناشيد الحب والفداء، وكانت الشعارات تتحدث عن أمة أسلامية واحدة، وأمة عربية ذات رسالة خالدة، فإذا بنا اليوم وقوى التطرف والتشدد ترفض كل ما يعرف بمشروع الوحدة والاتحاد، فقبل سنوات أطلقت حملة الوحدة والاتحاد «لا سني لا شيعي بس بحريني»، وكانت شعاراتها براقة، ولكن الأيام كشفت عن مخطط تدميري يقف خلفها، تدمير الدولة وتدمير المجتمع، والجلوس على أنقاضها، وإلا ما يحدث اليوم في المجتمع كان حرياً بدعاة الوحدة والاتحاد أن تكون لهم وقفة جادة معه. فالطائفية التي ترى وتسمع ويشتم رائحتها تستفيد منها قوى راسخة في الأرض ولها امتداد في الداخل والخارج، تدعمها وتمولها بالموارد المالية، الساحة اليوم تشهد تأجيجاً للصراع الطائفي بين أبنائه، سنة وشيعة، في ظل صمت وسكوت الرموز الدينية والسياسية، فما يحتاجه المجتمع هو الحوار والمصالحة ونبذ العنف، من خلال المنبر الديني والفعاليات المجتمعية، المسؤولية اليوم توجب علينا تذكير القيادات الوطنية والدينية بواجب تعزيز الأمن والاستقرار، وعدم التخلف عنه، والتصدي لتلك الكتابات التي تقرأ في صفحات التواصل الاجتماعي «التويتر» فما يتعرض له الوطن سيدفع الجميع ثمنه، ولن ينفع بعدها التلاوم. شهر رمضان على الأبواب، وهي مناسبة دينية يتواصل فيها المجتمع البحريني لإزالة أسباب الخلاف والشقاق، وهذه سنة بحرينية حميدة، فمن خلال المجالس والمنتديات الرمضانية تم معالجة الكثير من القضايا والإشكاليات، لذا يجب اسكات الأصوات النشاز التي تدعو للعنف والصدام والاحتراب، يجب أن يدينها القريب قبل البعيد، فقد استطاع جيل الأباء والأجداد أن يوقفوا الصراع الطائفي والمذهبي حينما اشتعلت في محرم عام 1952م، فقد قاموا بواجبهم الديني والوطني، واستطاعوا من نزع فتيل الصراع الطائفي، فالأحداث التي جرت بالعام الماضي أعادت الجميع خمسين سنة للوراء، ففي الوقت الذي تتسارع وتيرة البناء والنماء في الدول الخليجية المجاورة، نرى أن دعاة العنف والإجرام والإرهاب يدفعون بالمجتمع إلى أتون صراع طائفي مرير، الرابح الوحيد فيه هو الشيطان الأكبر ومحور الشر بالمنطقة!.