Friday, June 15, 2012

الحصيلة المتواضعة لحركات الربيع العربي

محمد جابر الأنصاري
بدايةً لابد من الإشادة بالحركات التي أطاحت أنظمة طال عليها الزمن، وشاخت، ووقفت في وجه إرادة الناس، ومارست الفساد.
لكن هل اتجه “التغيير” إلى الأفضل؟ تلك هي المسألة.
وهل طرح “الشباب” الذين قاموا بتلك الحركات “فكراً” مستنيراً مستوحى من تجارب الأكبر سناً في المجتمع، كما يجب أن تكون عليه متطلبات التطور، أم أنهم، أي الشباب، قذفوا بهذا المطلب المهم خلفهم، وانتظروا حتى تفاجئهم الأحداث؟!
إننا لانرى “فكراً” ضمن هذه “الحركات” التي لم تكن سوى انفعالات وهتافات وشعارات وتجمعات “مليونية” تجتمع وتنفض من دون أن تخلّف أثراً يذكر، عدا تحسين صورة القوى العظمى في العالم العربي التي لا تحركها سوى مصالحها، ودعك من الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية.. المعلنة.
لقد مضى زمن طويل وهي تمثل “بيتاً سيئ السمعة” في العالم العربي، وإلى وقت قريب كان “اسم” “هذا العالم” في أدبياتها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو “مينا” حسب الاختصار بالحروف الأجنبية..
وفجأةً صرنا بمواجهة “الربيع العربي”. كيف حذفوا صفة “عربي” من التعبير الأول وأعادوا صفة العربي إلى الربيع ربما لأنه ربيعهم هم؟!
على شبابنا أن يكونوا شديدي الحذر تجاه السياسات الأجنبية الجديدة في منطقتنا العربية!
بدايةً العرب يواجهون بعضهم بعضاً على حدود “إسرائيل” في مصر وفي سوريا.
ففي مصر يعود الصراع القديم “المؤجل” بين قوى الدولة المدنية والدولة الدينية، كما كان الأمر بين الجيش والإخوان منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
وإذا فاز مرشح الدولة المدنية، فإن المعسكر الآخر لن يتركه ينعم بفوزه، وإذا فاز مرشح الدولة الدينية فإن القوى المدنية ستتحرك. و”إسرائيل” تتابع الأمر وهي تفرك يديها فرحاً.
وجدير بالذكر أن “إخوان” مصر يطرحون العودة لنظام “الخلافة” ولم يثبت أنه نظام إسلامي، لا من القرآن الكريم ولا من السنة النبوية المؤكدة، وإنما من تجارب المسلمين التاريخية.
وفي سوريا، على الجبهة الأخرى، نسمع كل يوم عن صراع دائر بين قوتين سياسيتين، بلا حسم، وثمة حديث دولي عن حل في سوريا على “الطريقة اليمنية”.
إن ما حدث في اليمن “إيجابي” بالنسبة إلى مجلس التعاون الخليجي.
فاليمن برميل بارود فيه “القاعدة”، التي يخشاها الجميع، وفيه احتمالات انفصال الجنوب، وفيه الحوثيون، وفيه القبائل المتناحرة التي تجد في الطبيعة الجغرافية لليمن ما يشجعها على ذلك على حساب الدولة. لذلك فإن دعم “الدولة” في اليمن مسألة تطور تاريخي لا بد منه. وهذا ما أدت إليه “المبادرة الخليجية” التي دعمها عقلاء الخليج وعقلاء اليمن.
غير أن الحل في سوريا “على الطريقة اليمنية” سيتم رفضه رسمياً لأسباب تتعلق بطبيعة السلطة. وستستمر المواجهة بين القوتين المتصارعتين ولا ندري كيف ستسير تلك المواجهة. و”إسرائيل”، كما قلنا، تراقب ذلك.
والملاحظ أن إحدى المحطات الإعلامية الأجنبية- وهذا مؤشر علينا أخذه في الاعتبار- كانت تأتي بأخبار الثورة في سوريا كما هي، لكنها أصبحت توردها وتقول: ولم تتأكد هذه الأنباء من مصادر مستقلة!
(بينما ترفض تلك المحطة أي تكذيب رسمي للأكاذيب التي تذيعها عن بلدان أخرى) وهي إذا وجدت أنباء رسمية من سوريا بادرت إلى إذاعتها بذريعة “الموضوعية” التي هبطت عليها فجأة..
والخلاصة أن هذا التحول الجديد يؤدي إلى المزيد من الاقتتال والصراع داخل سوريا.. فهل ذلك ما يريده البلد الغربي الذي يمول تلك المحطة؟
إن ليبيا هي البلد الوحيد (بالإضافة إلى تونس ومصر) التي شهدت حسماً ضد حاكم شبه مجنون، دفعه طموحه اللا محدود إلى المغامرة بمقدرات بلده وشعبه ليصبح “إمبراطور” إفريقيا” و”عميد” الحكام العرب، ولكن نهايته جاءت على يد قوات أجنبية. فقد أقام الحلف الأطلسي مظلة جوية فوق الشواطئ الليبية. والأطلسي بدوله لم يفعل ذلك لسواد عيون ثوار ليبيا، وإنما من أجل نفطها.
ومازال الوضع في ليبيا غير مستقر، وثمة تساؤلات في محلها عن مصير الانتخابات..
أما تونس، فهي في الظاهر مستقرة- وهذا مصدر “ارتياح” غربي- ولكنها في الباطن غير ذلك. وجدل الدولة المدنية والدولة الدينية ما زال معتملاً فيها، وقد يبرز إلى السطح بعنف.. هكذا نجد أنه من تونس، مروراً بليبيا ومصر، إلى اليمن وسوريا لا نرى الأمر محسوماً.
وقد يقال إن ذلك من طبيعة الثورة، فهي تحتاج إلى وقت حتى تهدأ وتستقر، لكننا نعتقد أن جدل الدولة المدنية أو الدينية لا بد من حسمه في العالم العربي والعالم الإسلامي كله.
فذلك من “حتميات” التاريخ الذي يتحرك قطاره بالعنف أحياناً، حتى لو لم نرد ذلك.