Friday, June 15, 2012

ثقافة التطهير لدى النظام السوري

صحيفة اليوم
سحب الجيش السوري الحر وحداته من بلدة الحفة السورية بعد إجلاء معظم الأطفال والنساء، وكي لا يعطي لجيش نظام الأسد وميليشياته حُجة في ارتكاب مذابح جديدة في البلدة، طبقًا لبيان قادة الجيش الحُر. وأعلن نظام الأسد أمس أنه قد طهّر البلدة، والمخيف هو مفردة «التطهير» التي وردت في بيان وكالة أنباء النظام، لأن التطهير بلغة النظام السوري يعني تنظيم مذابح للسكان دون تمييز، كما حدث في بابا عمرو والحولة ومزرعة القبير وغيرها، لتطهير المدن من سكانها وليس من المسلحين. والله أعلم ماذا طهرت الميليشيات الأسدية في الحفة، في وقت أعلن الجيش الحر سحب وحداته من البلدة. ولا بد أن ميليشيات الأسد وقواته قد عاقبت السكان على طريقتها، كما يحدث في أعقاب كل مواجهة بينها وبين الجيش السوري الحر.
وكل هذه المعارك الدامية التي اندلعت في مدن سورية عديدة، تؤكد أن حربًا أهلية تجري ويسعى النظام إلى تصعيدها، بعمليات التطهير العرقي والقتل المرعب في أوساط المدنيين وبالذات ارتكاب مذابح للأطفال والنساء وتسريب مقاطع فيديو عن مذابح مروّعة للسكان. وهذه السيناريوهات تشبه إلى حدٍّ بعيد الحرب الطائفية التي حدثت في العراق، إذ ترتكب مذابح في المنازل ويتم تسريب متعمّد لصور أطفال مذبوحين ونساء مقتولات لبث الرعب في أوساط السكان العرب، مما نتج عنه تهجير ملايين العراقيين العرب إلى الخارج ليحتل منازلهم وأحياءهم ومدنهم عراقيون موالون لقوى خارجية.
ويبدو أن نفس السيناريو يتكرر في سوريا خاصة أن قوى خارجية قد أشعلت الحرب الطائفية في العراق هي نفسها الآن توقد نار الحرب الطائفية في سوريا بذات الأسلوب وبذات النهج: ذبح أطفال ونساء وتهديم مساجد ومنازل وتهجير سكان. وقد تم تهجير ما يربو على مليون سوري حتى الآن، وتم تهجير سكان قرى تنتمي لطوائف محددة لتحتلها طوائف أخرى مسحوبة على النظام السوري وترعاها القوى الخارجية. وهذا يعني أن حربًا أهلية طائفية نتنة يشعلها النظام السوري الذي كان يهدّد بأن الحرب الطائفية الأهلية هي آخر أسلحته في المواجهة مع الشعب السوري. وما المذابح التي ارتكبتها ميليشيات النظام إلا نموذج لما يمكن أن يقدّمه النظام للسوريين في الأيام القادمة.
ولكن النظام السوري قد أخطأ التصرّف، إذ إن المذابح صعدت المعارضة السورية ضده ورسخت في أذهان السوريين دموية النظام وعدوانيته وحقده على سوريا وتبعيته للقوى الخارجية، وأنه مستعد لتنفيذ كل الأعمال القذرة لحساب رعاته وبالإنابة عنهم في سبيل البقاء، حتى وإن كان الثمن هو أمن سوريا ومستقبلها. وبعد المذابح أصبح السوريون أكثر تصميمًا على التصدّي لخطط النظام وسلوكياته، وأكثر تصميمًا على مواجهة النظام وهزيمة أعماله الشريرة، لأن بقاءه يعني تدميرًا مستمرًا لسوريا ورهنها لإرادة القوى الخارجية وإعادتها تنمويًا إلى العصور الوسطى. ولأن النظام انتقل من المراوغات والخدع وقبول الحلول ثم تجاهلها إلى التنظيم الصريح للمذابح في المدن السورية في وضح النهار وفي عتم الليل.