Friday, June 15, 2012

سوريا.. قبل فوات الأوان

عدنان سليم أبو هليل
ما يجري في سوريا من ثورة شعب وأزمة نظام وتدخلات خارجية وانعدام أفق لإيقاف الدماء ومواصلة النظام قصف المدن ومحاصرتها وتجويع الناس وانتهاك الأعراض وتخريب اللحمة الوطنية وتهديم البنية المؤسسية ونفاذ محاولات النظام الالتفاف على الثورة بالانتخابات والإصلاحات.. وفي مقابل ذلك صمود الناس واتساع نطاق الثورة وسخونة أكثر من 650 نقطة تماس بين الدولة والشعب من شمال سوريا إلى جنوبها رغم كل الخسائر.. كل ذلك قد وصل حدا يؤشر الوصول إليه على حقيقتين اثنتين قادمتين بالتطور التلقائي والتراتب الزمني لا محالة ؛ الحقيقة الأولى: أن النظام أصبح أسير منطق الدم وعاجزا عن اجتراح الحلول وعن إيجاد هوامش مناورة لاحتواء الأزمة.. والثانية: أن الشعب السوري لن يعود إلى الهدوء قبل أن يحقق ما خرج قبل سنة ونصف ثائرا لأجله..
في ظل هذه الحقائق فإن سوريا تحيق بها الخطورة من كل جانب.. تحيق بها كدولة وكمجتمع وكخط أول في جبهة المواجهة مع العدو بما يوجب على طرفين أن يتحركا لرتق الخرق وإنقاذ الموقف.. الطرفان هما: الثوار وقياداتهم ورموز المعارضة من جهة، ثم الوسطاء وبعض أنصار النظام بالأخص الذين يتقاربون معه على أساس مصلحتهم في سوريا الوطن والموقف والممانعة أكثر من سوريا النظام والعائلة الحاكمة والفساد والاستبداد..
أما الثوار وقادتهم فما يؤدونه لا يمكن اتهامه أو التقليل من قيمته إذا أخذنا بنظر الاعتبار نوعية النظام ودمويته وأنه لم يكن يسمح ببذرة معارضة أن تنبت أو ترتفع عن وجه الأرض.. من هذه الزاوية فإن ما قدمته وتقدمه الثورة السورية وما وصلت إليه حتى الآن يعتبر إنجازا كبيرا.. لكن السؤال: هل هو كاف لتجنيب سوريا منزلق الحرب الأهلية وفخاخ الخارج لها؟ وإذا تطورت الأحداث لهذين المنزلقين فهل تعذر الثورة السورية وهل هي بعيدة عن المسؤولية مهما كانت نياتها طيبة؟
على الثورة السورية أن تنجز وعاجلا مهمتين استراتيجيتين توقيا لذلك ، الأولى: تتعلق بقيادتها والثانية تتعلق بطروحاتها وتكتيكاتها.. أما ما يتعلق بقيادة الثورة ؛ فالضرورة تقضي أن تكون مقتدرة وفاعلة وموحدة تملأ الوجدان الثوري والوطني ثقة وأملا، وهو ما - للأسف - لم تتمكن منه حتى الآن.. فكل يغني على ليلاه ولا يسمع إلا نفسه ولغة الحوار بينها هي حتى الآن – وللأسف مرة أخرى – هي لغة التناقضات والمحاصصات وحسابات الربح والخسارة على الصعيد الشخصي والحزبي والاتجاهي.. مطلوب هنا أن يكون جامع قيادة الثورة وقاسمها المشترك القناعة بأن المفسدة كل المفسدة في بقاء نظام عائلة الأسد المتسلطة على رقبة سوريا وفي إزهاق الدماء وأرواح الأبرياء كل صباح ومساء.. وأن الخسارة من جراء تدخل خارجي عسكري ضد الجيش السوري ومعسكراته ومفاصله وأن تخرج سوريا بذلك من التاريخ لعشرات وربما لمئات السنين هي أكبر الخسائر.. قيادة الثورة يجب أن تبني تواصلات حقيقية مع الداخل والخارج، وأن تكون إرادتها حقيقية وأن تكون رؤيتها منطقية وواقعية، وأن تكون ممثلة لأكبر قطاع من الثوار مهما تباينت الرؤى والأيديولوجيات.. هذه القيادة وبهذا المنطق ستقطع حجة النظام ووسطائه الذين يتذرعون بعدم وجود قيادة للثورة يمكن التفاهم معها، وستشكل رافعة للثورة وستزرع في وجدان كل ثائر رؤية وأملا واستمرارية وتراكما لا بد منها جميعا للصمود ثم للوصول إلى الإنجازات..
أما المهمة الثانية التي على الثورة أن تنجزها فهي: أن تمتلك في المجال السياسي والدبلوماسي من المواقف والعروض والتكتيكات ما تحرج به النظام وأنصاره وما تحشد معها الدعوم.. لا بد أن تمتلك الثورة أدوات اللعبة السياسية، وأن لا ترتكن إلى" الهلوكوست " الدموي.. وعليها أن تتجاوز المواقف المغلقة والتواري خلف التعنت ورفض كل شيء.. على الثورة أن تكون أكثر من " مفعول به منصوب للاستهداف الدموي " وعليها أن تجترح طروحات وحوافز وأن تستثمر نقاط قوتها وأن تكون لها مساوماتها مع أنصار وأعوان النظام وحتى مع أطراف داخله أو حتى معه ذاته في لحظة ما وأن تكون لها مخارج وعلاقات وحلول وسط وتجزيئية وترحيلية وتدريجية.. فالعمل السياسي والدبلوماسي ليس مجرد كلمة تقال ثم ظهر يدار..
البعض يظن أن الطروحات والتكتيكات تفقد الثورة الزمام وتفتت موقفها السياسي.. وهذا غير صحيح إذا أردنا أن نتحدث باللغة التي يفهمها العالم وتقوم عليها الدبلوماسية.. فهذه حماس تفعل الشيء ذاته مع العدو كعدو ومع نديدتها فتح كمنافس مناكف.. ما جعلها في نظر العدو وفي نظر شعوب العالم أكبر من مجرد حركة أصولية دينية وأكثر من آلة قتل.. إلى أن تكون حركة مقاومة تملك رؤية منطقية بمسؤولية وطنية ويمكن التواصل معها والاعتراف بها..
وأما الوسطاء وأنصار النظام والمتعاطفون معه والمدافعون عنه فعليهم أن يروا المصير الذي ينتظره إن استمر متلبسا بالدم والموت والتدهور الأخلاقي والدبلوماسي الذي يتلبس ويتلبك به.. هؤلاء يجب أن يروا سوريا الدولة والثورة والشعب والمستقبل أهم وأغلى وأعظم من سوريا النظام بأشخاصه وبالعائلة التي تحكمه.. هؤلاء عليهم أن يروا الفرق بين موقف النظام في ملف الممانعة وموقفه من شعبه ومعارضيه وجرائمه بحقهم.. هؤلاء عليهم أن يغيروا باكرا وقبل فوات الأوان نظرتهم للأمور وتحركهم فيها كما فعلت روسيا أخيرا..
آخر القول: على قيادة الثورة السورية أن تتوحد، وأن تكون على قدر قداسة الدم الذي يقدمه شعبها، وعليها أن تغادر لغة الإجماليات والارتكاز على الخارج، وعليها أن تطرح كيفيات سياسية تفصيلية تحاصر بها النظام.. وعلى الوسطاء الإقليميين والدوليين أن لا يتكئ بعضهم على بعض، وأن لا يتواروا خلف التصريحات الكلامية واللغة الإنشائية والمبادرات غير الفاعلة..