Friday, June 15, 2012

سوريا.. معركة العالم المفتوحة

سمير الحجاوي
يمكن اعتبار سوريا عقدة العقد في الجغرافيا السياسية العالمية اليوم، ومفترق طرق لإعادة ترتيب أوضاع القوى الإقليمية والدولية، وهذا ما يجعل منها نقطة تحول تاريخي قد يؤدي إلى تغير العالم.
داخلياً يعيش نظام الأسد حالة من الهستيريا الجنونية، فهو يقتل ويقصف ويحاصر المدن والقرى ويجوع أهلها، ويقطع عنهم الماء والغذاء والدواء والاتصالات، ويحاول أن يعزلهم عن العالم، وينتهج سياسة الأرض المحروقة ويحرق المزارع والمحاصيل الزراعية، وينفذ مجازر جماعية بلغ عددها حتى الآن 328 مجزرة قتل في أصغرها 20 شخصاً وفي أكبرها ما يزيد على 300 شخص، ويستخدم الأطفال دروعا بشرية ويقوم بتصفية عائلات بأكملها، وينفذ عملية تطهير طائفي ضد المسلمين في حمص والحفة وغيرها من المناطق.
نظام الأسد الإرهابي يمارس الإبادة بشكل ممنهج ومنظم، وهو ما يندرج تحت بند "جرائم ضد الإنسانية"، ويختطف الصحفيين والإعلاميين ويقتلهم، وقد بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا في سوريا منذ بداية الثورة 36 صحفياً حسب اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، مما يجعل من سوريا أخطر مكان في العالم لممارسة العمل الصحفي، اضافة إلى الصحفيين الذين يقبعون في سجون النظام البعثي الباطني.. هذا المشهد الدموي يعني أن نظام الأسد قرر القتال حتى الطلقة الأخيرة دفاعاً عن السلطة وامتيازات الطائفة والعصابة التي تحيط به، أي إنه اختار الحل العسكري والأمني، واستبعد حل التخلي عن السلطة بطريقة سلمية، مما يضع الشعب السوري وجيشه الحر أمام خيار واحد هو إسقاط النظام بالقوة المسلحة.
إلى جوار سوريا يعيش الكيان الإسرائيلي حالة من الترقب حيال الثورة السورية، وكان أوضح موقف استراتيجي إسرائيلي هو ترحيب تل أبيب بدوام حالة الاقتتال الداخلي في سوريا، فقد رحب الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال احتياط جيورا أيلاند قبل يومين بالوضع القائم في سوريا، بما فيه الاقتتال الداخلي، حسبما نشرت صحيفة جلوبس الاقتصادية الإسرائيلية عن محاضرة له في تل أبيب، فقد قال الجنرال الإسرائيلي: إن "الأسد الذي يحارب من أجل شرعيته عالمياً هو الأفضل لإسرائيل رغم الثمن "المؤلم" للشعب السوري، وإنه إذا سقط النظام وصعد نظام متطرف عدو فالإسقاطات خطيرة لإسرائيل، أما إذا تحولت الأوضاع إلى حرب أهلية فقد تؤدي إلى تفتيت المنطقة.. أما رئيس الموساد السابق أفرايم هاليفي فقال خلال لقاء إذاعي مع إذاعة الجيش الإسرائيلي: "إن المرحلة المقبلة في سوريا لن تكون بالضرورة باعثة على التفاؤل بالنسبة لإسرائيل، من عدة نواحٍ، ولن تكون لصالحها". وأضاف: "إن انهيار محور إيران ـ سوريا ـ حزب الله، سيجلب مخاطر كبيرة لإسرائيل، ومن الممكن أن تكون تبعات ما يجري في سوريا صعبة بالنسبة لإسرائيل".
إذن نحن أمام حالة "سريالية مدهشة ومذهلة"، فرئيس أخطر جهاز أمني إسرائيلي يعتبر محور "إيران — الأسد — حزب الله" ضمانة لأمن إسرائيل، وأن سقوطه يجلب مخاطر كبيرة، وهذا اعتراف يحتاج أن نقف عنده طويلاً، فالاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على مبدأ "إنهاك سوريا" ودفعها إلى حالة التفتت والتشرذم والاقتتال، والتعايش مع محور "إيران - الأسد - حزب الله".
وهذا الموقف الإسرائيلي غير الراغب بسقوط الأسد "مجانا"، أثّر على الموقف الأمريكي "المنافق" الذي يبحث عن تغيير الأسد بطريقة تضمن ترتيب مرحلة ما بعد ذلك، بما يضمن أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، وهذه الاستراتيجية الأمريكية خطرة للغاية، تشير إلى أنها تحاول تأجيل انتصار الثورة السورية حتى اللحظة التي تستطيع فيها أن تقطف الثمرة السورية الناضجة.. الخطأ الاستراتيجي الأمريكي الكبير هنا هو عدم تقديرهم لحالة انفلات الوضع إلى الفوضى الشاملة في سوريا، وما يعنيه من تواصل خط النار من العراق إلى لبنان، وفتح الباب أمام صراع "إسلامي - شيعي"، تشكل سوريا فيه مركز الثقل الإسلامي في مواجهة المحور الشيعي، مع إمكانية تورط إيران بشكل مباشر في الصراع والدخول طرفاً أصيلاً، مما قد يدخل تركيا بدورها طرفاً دفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية الكبيرة، وتأمين خاصرتها الجنوبية، وعدم تحويلها إلى خاصرة رخوة تؤثر على استقرارها.
هل يمكن أن تدخل أطراف عربية في معادلة الصراع القادم؟ هذا حتمي.. وهذا سيبدأ من لبنان، حيث يمكن أن تشتعل حرب داخلية بين حزب الله الشيعي المدعوم إيرانياً، وبين القوى الإسلامية الأخرى، هذا الدخول "الإجباري" للأطراف العربية سيحدث، للحيلولة دون تمكين حزب الله من فرض سيطرته في لبنان والتصدي للهيمنة الإيرانية، وبالتالي الدخول على خط الثورة في سوريا، ويمكن القول: إن أطرافا عربية بدأت تسليح الجيش السوري الحر منذ فترة.
روسيا من جانبها دخلت طرفاً في المعركة إلى جانب نظام الأسد، وهي الآن تزوده بكل الأسلحة والمروحيات، وتوفر له غطاء دبلوماسياً وسياسياً للحيلولة دون سقوطه، فموسكو تريد استرداد ما خسرته على المستوى الدولي خلال الحرب الباردة، كما هي حال الصين التي تريد تحسين أوراقها التفاوضية مع أمريكا والغرب على حساب الدم السوري.
هذا اختصار شديد لصورة المشهد في سوريا، وهو مشهد يقاتل فيه الشعب السوري وحيداً في مواجهة نظام طائفي، باطني، شعوبي، إرهابي، مدجج بالأسلحة والحقد والكراهية، ويدفع هذا الشعب الثمن وحيداً، لكن الأكيد أن العرب سيدفعون الثمن الأغلى إذا لم يدخلوا المعركة بكل قوتهم إلى جانب السوريين، لكسر الحلف "الروسي ـ الإيراني ـ الإسرائيلي، وحزب الله" المعادي للثورة السورية، وإسقاط النظام الطائفي، وأن يقنعوا أمريكا وأوروبا أن النار السورية ستحرقهم قبل غيرهم إذا استمرت مواقفهم الخائرة.
سوريا تخوض معركة العالم المفتوحة، وهي معركة سينتصر فيها الشعب السوري بإذن الله، رغم المجازر والمذابح والخذلان والتآمر الدولي والإقليمي.. هي معركة قد تغير وجه التاريخ والعالم، وربما تكون نقطة فاصلة في تاريخ الإنسانية.