Friday, June 15, 2012

الإخوان وهم على أهبة الاحتفال

أمينة أبو شهاب
مصر هي بلد الولادة والنشوء والتكوين لجماعة الإخوان المسلمين، وتربتها الاجتماعية ومناخها الثقافي والديني وظرفها التاريخي هي عوامل لعبت دوراً واضحاً في التشكيل السياسي للجماعة . من مصر، وطن التنظيم، انتشر “الإخوان” إلى سائر البلاد العربية على صورة التنظيم الأم. والحدث التاريخي، أو الولادة التاريخية الجديدة لـ”الإخوان”، محل التوقع والانتظار، في هذه الأيام عالية التوتر الذي يمثله فوز “الإخوان” برئاسة مصر إن حدث، لا شك أن له انعكاساته على ما يشكل امتداداً لـ”الإخوان” خارج مصر. فهذه الامتدادات وأعضاؤها لا يقلون ترقباً واتقاداً عن أمثالهم في مصر، حيث تجمعهم معاً وحدة الأفق التنظيري ووحدة الرؤية في قرب تحقيق الهدف وأن باب الغلبة السياسية قد فتح لهم بواسطة من إرادة إلهية.
إن هذا العامل، بجانبه الأول وهو الجانب التاريخي كما يعتقد، يعود إلى مساره ومجراه الطبيعي ويتحول إلى مصلحة الجماعة من خلال تمكنها من حكم مصر، وجانبه الآخر وهو التأثيرات والاستحقاقات عربياً للفوز الإخواني هو ما يعطي الانتخابات المقبلة أهمية مضاعفة.
إن التحول السياسي الوحيد الذي أحدثته “ثورات” الربيع العربي كان في تسليم الحكم لقوى الإسلام السياسي المعتدلة، حيث تم ذلك في تونس والمغرب وغيرهما . وإن كان ذلك يشكل انتصاراً للجماعة الإخوانية وتتويجاً لها في زمن الربيع العربي، غير أن الفوز بسدة الحكم في مصر ممثلاً في منصب الرئاسة هو إنجاز مختلف وأكبر بكثير مما تم إنجازه في تونس وغيرها، إذ تبقى مصر هي البلد الأم للجماعة، وتبقى الجماعة فيها هي الرأس وغيرها الفروع، وهي مصدر الاقتداء والإلهام وغيرها هو من يتأثر ويستوحي.
لقد زار الشيخ راشد الغنوشي زعيم تنظيم النهضة التونسي مصر قبل أيام لأجل ما قيل إنه محاولة منه لإقناع قيادة إخوان مصر بنموذجه السياسي في التوافق مع الأطراف السياسية، وقد صرح في نهاية الزيارة أن إخوان مصر لم يقنعوا بوجهة نظره، حيث لا يريدون السير على المنهج التونسي كما صاغه الغنوشي في التجربة السياسية التونسية. وهذا يعكس المقولة السياسية السائدة إن التأثير السياسي متبادل بين الإخوان في شتى بلدانهم.
وهكذا، فالمتوقع، في حال فوز الإخوان في مصر بالرئاسة أن تكتسي مركزية مصر الإخوانية أهمية متجددة في سياق الممارسة السياسية لهم وهم في وضع القوة والسيطرة السياسية، وأن ترنو إليهم الأنظار والقلوب، حيث يمكن أن تكون مصر مؤثراً في إعادة صياغة التجارب السياسية في بلدان الربيع وعدم ثبات هذه التجارب في وضع عربي يتسم بميوعته وسيولته السياسية.
في ندائه و”رجائه” الذي وجهه المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد بديع للشعب المصري لأداء واجبه في الذهاب للتصويت قال قبل يوم أمس: “إن اللحظة حانت لجني أعظم ثمار الثورة ..”، وإنها “اللحظة التي انتظرناها طويلاً”. ولا شك لديّ أن بديع كان يقصد الإخوان ولا يقصد مصر كلها مع أنها المخاطب من قبله. انتظر الإخوان المسلمون طويلاً للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية حيث كانوا قبلها خارج التاريخ وعلى هوامشه وخارج الفعل السياسي الحقيقي ما داموا خارج الحكم وخارج السلطان.
إن الفاصل الزمني بين الإخوان ولحظة التأهب للاحتفال هذه هو ثمانون سنة من العمل السياسي والعمل القتالي والتقلبات السياسية والتحالفات والانقلاب عليها والتهادنات مع السلطات والتماهي معها، وكذلك الانقلابات الأيديولوجية التي قطعت مسافة معتبرة عن أصولها الأولى كما صاغها الآباء الأوائل والمنظرون الذين أسسوا لصورة الجماعة وجاذبيتها السياسية وما يشكل ارتباطها في أذهان العامة بتحقيق أهداف الأمة.
صحيح أن التاريخ حاضر، وهو في انتصاف الجماعة ممن قاموا بتنحيتها عن مساره الفاعل، وكذلك من خلال الاقتراب من جمع كل نواحي القوة في البلد، إلا أن ما هو غائب بشكل واضح هو الزخم الفكري والعقائدي للجماعة والمحتوى المثالي لأفكارها وما تود تغييره في مجتمع ودولة تقول إن الفساد استشرى في جسدها وإنها المصلح لهذا الفساد. إن هذا الزخم الفكري المفقود وكذلك العنفوان وجذرية الخطاب هو ما يشكل روح أي حزب أو جماعة سياسية وهو ما يرشحها في قلوب الجماهير للقيادة والقبول بالانضواء تحت لوائها لتغيير البلد. ومن دون هذا، فالجماعة ما هي إلا بديل أتوماتيكي للحكم القائم وصورة أخرى عنه، خاصة أنها كانت تتماهى مع هذا النظام السابق وتنسق معه وهي تختار مرشحيها أو تسحبهم إكراماً لمرشحيه.
مَنْ يراقب الحملة الانتخابية للإخوان ويتأمل خطابهم السياسي يرَ درجة استماتتهم للغلبة السياسية مضحين في سبيل ذلك، إن اقتضى الأمر، بالمصداقية ومستخدمين الاحتراف الانتخابي والسكون السياسي للوصول إلى الغاية المقصودة. يخلو الخطاب الانتخابي الإخواني من النبض والروح الإسلامية الحقيقية وإن كان يزايد بالإسلام ويستخدم مفرداته في تجاوز يخرج عن نصوص تم التعهد بها كجزء من شروط قبول الإخوان من الخارج كبديل لحكم مبارك.
والخلاصة، أن الإخوان في احتفائهم بالنصر القريب وتأهبهم له إنما يستقون صورتهم من الماضي، بينما هم يعيشون وضعاً سياسياً مغايراً، خاصة وهم يقدمون كل تنازل ممكن لأجل الظفر بالفوز الانتخابي، مقدمين هذا الفوز على أنه سيكون انتصاراً لـ”الثورة”، كما أنه أيضاً انتصار للإسلام، وفي الحالين هو ليس كذلك.