يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1974 السبت 7 مايو 2011
صحيفة الوطن - العدد 1974 السبت 7 مايو 2011
تفاصيل كثيرة كتبت عن المعتقلين البحرينيين الستة الذين اعتقلتهم السلطات الأمريكية وحجزتهم واشنطن في سجن غوانتنامو في قاعدة كوبا الأمريكية لسنوات طويلة دون محاكمة، وتعرّضوا لانتهاكات إنسانية وأعمال تعذيب منافية تماماً لأبسط مبادئ حقوق الإنسان. دائماً ما كان ينظر إلى قضية المعتقلين البحرينيين في غوانتنامو الذين أطلق سراحهم لاحقاً بأنها قضية حقوقية، ونادراً ما كان ينظر إليها على أنها قضية سياسية. فواشنطن في سياق سعيها لإيجاد حلفاء جدد في المنطقة من تيار ولاية الفقيه حرصت بعد غزو أفغانستان باسم محاربة الإرهاب، على أن يكون لديها مجموعة من أوراق الضغط التي يمكن المساومة عليها مع الحكومة البحرينية، وكذلك إيجاد قضية للطائفة السنية في البحرين والخليج عموماً يمكن من خلالها تحقيق عدة أهداف: أولاً: إيجاد ذرائع كافية للتدخل الأمريكي والإيراني في شؤون الخليج، بحيث يمكن المساومة في حالة اعتقال أي مجموعات من المناصرين لولاية الفقيه في البحرين بأنهم يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان وتعذيب، بالمقابل يمكن المساومة على ورقة المعتقلين السُنة في غوانتنامو بالضغط على الحكومة البحرينية لإجراء المزيد من الإصلاحات التي تخدم زيادة نفوذ شيعة ولاية الفقيه. ثانياً: إشغال الرأي العام السني وتنظيماته المختلفة بقضية خارجية، بحيث يتاح المجال لواشنطن وأنصار ولاية الفقيه التحرك ميدانياً للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية التي تخدم زيادة نفوذ الشيعة المؤيدين لولاية الفقيه في النظام السياسي البحريني. ثالثاً: تعزيز الفكرة التي تسعى الإدارة الأمريكية لربطها بين الطائفة السنية والإرهاب، حتى أصبحت هناك علاقة طردية بين الطائفة السنية وأعمال الإرهاب، وبالتالي مادامت واشنطن تحتجز مواطنين سُنة في غوانتنامو فإن واشنطن ستضمن دعماً مستمراً لسياساتها نحو إيجاد حلفاء جدد في الخليج من قبل الرأي العام الأمريكي. رابعاً: إتاحة المجال للمنظمات الحقوقية الدولية لزيادة ضغوطها على حكومة البحرين للإفراج المستمر عن المعتقلين المتورطين في أعمال الإرهاب من الطائفة الشيعية المؤيدين لولاية الفقيه، وهو ما سنفصّل فيه بعد قليل. هذه عدة أهداف كانت واشنطن تعمل على تحقيقها عبر ورقة غوانتنامو لمزيد من الضغوط على الطائفة السنية والحكومة البحرينية. ويتذكر الجميع كيف كانت الخارجية البحرينية تصدر تصريحات مستمرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين البحرينيين هناك، فضلاً عن تكليف فريق من المحامين للدفاع عنهم، والضغوط التي بذلها أعضاء السلطة التشريعية، وتحديداً من أبناء الطائفة السنية في مجلسي الشورى والنواب فقط، وهو ما يثير علامات استفهام على موقف بقية الأعضاء في البرلمان. الإشكالية الرئيسة في قضية المعتقلين السُنة في غوانتنامو أن واشنطن أتاحت المجال للمنظمات الحقوقية الدولية، وتحديداً منظمة هيومن رايتس ووتش لتتدخل باستمرار خلال الفترة من 2004 ـ 2008 بشكل كبير في الشأن البحريني -ومازالت طبعاًـ لتنتقد ممارسات حكومة البحرين فيما أسمته بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان لمن تورطوا في أعمال إرهابية من المؤيدين لولاية الفقيه، وهو ما عكس ازدواجية في المعايير الأمريكية. ففي الوقت الذي كانت فيه المنامة والطائفة السُنية وبرلمانييها وسياسييها يدافعون عن المعتقلين السُنة في غوانتنامو وينتقدون الانتهاكات الحقوقية التي تعرّضوا لها من تعذيب وغيره، كانت واشنطن والمنظمات الحقوقية الدولية تنتقد الأوضاع الحقوقية في البحرين تجاه أنصار ولاية الفقيه المتورطين في الأعمال الإرهابية. أبرز مثال على ذلك هو التقرير الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان (التعذيب يُبعث من جديد: إحياء سياسة الإكراه الجسماني أثناء الاستجواب في البحرين)، حيث صدر هذا التقرير لينتقد طريقة التعامل مع الإرهابيين المتورطين في خلية (الحجيرة) الإرهابية، وأحداث كرزكان. واللافت أن الذي كتب التقرير هو المحامي الأمريكي جوشوا كولانغيلو، وهو نفسه الذي كان محامياً عن المعتقلين السُنة في غوانتنامو! طبعاً المحامي جوشوا برّر موقفه المتناقض في مقال شهير كتبه بعنوان (من غوانتنامو إلى البحرين)، وذكر فيه أنه سيظل يدافع عن الحريات وحقوق الإنسان في كل مكان سواءً كان ذلك في البحرين أو في واشنطن! في النهاية مثّلت قضية غوانتنامو حالة من الإذلال السياسي لحكومة البحرين، والطائفة السنية التي لم تكن راضية بهذه الطريقة والتعامل المزدوج لمواطني البحرين. وإذا كانت هذه القضية قد انتهت فإن واشنطن حققت هدفها بإشغال الحكومة البحرينية وممارسة الضغوط عليها بما يكفل زيادة نفوذ أنصار ولاية الفقيه، وهو ما ساهم في زيادة نفوذ إيران والمناصرين لها في المنامة. غداً نواصل الحديث حول الحاجة الأمريكية ـ الإيرانية لتعزيز حكم حزب الدعوة في بغداد لضمان تواجد جبهتين لديهما القدرة في ضرب سُنة البحرين والخليج مع اقتراب ساعة الصفر.