Tuesday, July 19, 2011

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬سياسة الإذلال

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1974 السبت 7 مايو 2011

تفاصيل كثيرة كتبت عن المعتقلين البحرينيين الستة الذين اعتقلتهم السلطات الأمريكية وحجزتهم واشنطن في‮ ‬سجن‮ ‬غوانتنامو في‮ ‬قاعدة كوبا الأمريكية لسنوات طويلة دون محاكمة،‮ ‬وتعرّضوا لانتهاكات إنسانية وأعمال تعذيب منافية تماماً‮ ‬لأبسط مبادئ حقوق الإنسان‮. ‬دائماً‮ ‬ما كان‮ ‬ينظر إلى قضية المعتقلين البحرينيين في‮ ‬غوانتنامو الذين أطلق سراحهم لاحقاً‮ ‬بأنها قضية حقوقية،‮ ‬ونادراً‮ ‬ما كان‮ ‬ينظر إليها على أنها قضية سياسية‮. ‬فواشنطن في‮ ‬سياق سعيها لإيجاد حلفاء جدد في‮ ‬المنطقة من تيار ولاية الفقيه حرصت بعد‮ ‬غزو أفغانستان باسم محاربة الإرهاب،‮ ‬على أن‮ ‬يكون لديها مجموعة من أوراق الضغط التي‮ ‬يمكن المساومة عليها مع الحكومة البحرينية،‮ ‬وكذلك إيجاد قضية للطائفة السنية في‮ ‬البحرين والخليج عموماً‮ ‬يمكن من خلالها تحقيق عدة أهداف‮:‬ أولاً‮: ‬إيجاد ذرائع كافية للتدخل الأمريكي‮ ‬والإيراني‮ ‬في‮ ‬شؤون الخليج،‮ ‬بحيث‮ ‬يمكن المساومة في‮ ‬حالة اعتقال أي‮ ‬مجموعات من المناصرين لولاية الفقيه في‮ ‬البحرين بأنهم‮ ‬يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان وتعذيب،‮ ‬بالمقابل‮ ‬يمكن المساومة على ورقة المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو بالضغط على الحكومة البحرينية لإجراء المزيد من الإصلاحات التي‮ ‬تخدم زيادة نفوذ شيعة ولاية الفقيه‮. ‬ثانياً‮: ‬إشغال الرأي‮ ‬العام السني‮ ‬وتنظيماته المختلفة بقضية خارجية،‮ ‬بحيث‮ ‬يتاح المجال لواشنطن وأنصار ولاية الفقيه التحرك ميدانياً‮ ‬للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية التي‮ ‬تخدم زيادة نفوذ الشيعة المؤيدين لولاية الفقيه في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬البحريني‮. ‬ ثالثاً‮: ‬تعزيز الفكرة التي‮ ‬تسعى الإدارة الأمريكية لربطها بين الطائفة السنية والإرهاب،‮ ‬حتى أصبحت هناك علاقة طردية بين الطائفة السنية وأعمال الإرهاب،‮ ‬وبالتالي‮ ‬مادامت واشنطن تحتجز مواطنين سُنة في‮ ‬غوانتنامو فإن واشنطن ستضمن دعماً‮ ‬مستمراً‮ ‬لسياساتها نحو إيجاد حلفاء جدد في‮ ‬الخليج من قبل الرأي‮ ‬العام الأمريكي‮. ‬رابعاً‮: ‬إتاحة المجال للمنظمات الحقوقية الدولية لزيادة ضغوطها على حكومة البحرين للإفراج المستمر عن المعتقلين المتورطين في‮ ‬أعمال الإرهاب من الطائفة الشيعية المؤيدين لولاية الفقيه،‮ ‬وهو ما سنفصّل فيه بعد قليل‮. ‬هذه عدة أهداف كانت واشنطن تعمل على تحقيقها عبر ورقة‮ ‬غوانتنامو لمزيد من الضغوط على الطائفة السنية والحكومة البحرينية‮. ‬ويتذكر الجميع كيف كانت الخارجية البحرينية تصدر تصريحات مستمرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين البحرينيين هناك،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تكليف فريق من المحامين للدفاع عنهم،‮ ‬والضغوط التي‮ ‬بذلها أعضاء السلطة التشريعية،‮ ‬وتحديداً‮ ‬من أبناء الطائفة السنية في‮ ‬مجلسي‮ ‬الشورى والنواب فقط،‮ ‬وهو ما‮ ‬يثير علامات استفهام على موقف بقية الأعضاء في‮ ‬البرلمان‮. ‬ الإشكالية الرئيسة في‮ ‬قضية المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو أن واشنطن أتاحت المجال للمنظمات الحقوقية الدولية،‮ ‬وتحديداً‮ ‬منظمة هيومن رايتس ووتش لتتدخل باستمرار خلال الفترة من‮ ‬2004‮ ‬ـ‮ ‬2008‮ ‬بشكل كبير في‮ ‬الشأن البحريني‮ -‬ومازالت طبعاًـ لتنتقد ممارسات حكومة البحرين فيما أسمته بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان لمن تورطوا في‮ ‬أعمال إرهابية من المؤيدين لولاية الفقيه،‮ ‬وهو ما عكس ازدواجية في‮ ‬المعايير الأمريكية‮. ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت فيه المنامة والطائفة السُنية وبرلمانييها وسياسييها‮ ‬يدافعون عن المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو وينتقدون الانتهاكات الحقوقية التي‮ ‬تعرّضوا لها من تعذيب وغيره،‮ ‬كانت واشنطن والمنظمات الحقوقية الدولية تنتقد الأوضاع الحقوقية في‮ ‬البحرين تجاه أنصار ولاية الفقيه المتورطين في‮ ‬الأعمال الإرهابية‮. ‬ أبرز مثال على ذلك هو التقرير الذي‮ ‬أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان‮ (‬التعذيب‮ ‬يُبعث من جديد‮: ‬إحياء سياسة الإكراه الجسماني‮ ‬أثناء الاستجواب في‮ ‬البحرين‮)‬،‮ ‬حيث صدر هذا التقرير لينتقد طريقة التعامل مع الإرهابيين المتورطين في‮ ‬خلية‮ (‬الحجيرة‮) ‬الإرهابية،‮ ‬وأحداث كرزكان‮. ‬واللافت أن الذي‮ ‬كتب التقرير هو المحامي‮ ‬الأمريكي‮ ‬جوشوا كولانغيلو،‮ ‬وهو نفسه الذي‮ ‬كان محامياً‮ ‬عن المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو‮!‬ طبعاً‮ ‬المحامي‮ ‬جوشوا برّر موقفه المتناقض في‮ ‬مقال شهير كتبه بعنوان‮ (‬من‮ ‬غوانتنامو إلى البحرين‮)‬،‮ ‬وذكر فيه أنه سيظل‮ ‬يدافع عن الحريات وحقوق الإنسان في‮ ‬كل مكان سواءً‮ ‬كان ذلك في‮ ‬البحرين أو في‮ ‬واشنطن‮!‬ في‮ ‬النهاية مثّلت قضية‮ ‬غوانتنامو حالة من الإذلال السياسي‮ ‬لحكومة البحرين،‮ ‬والطائفة السنية التي‮ ‬لم تكن راضية بهذه الطريقة والتعامل المزدوج لمواطني‮ ‬البحرين‮. ‬وإذا كانت هذه القضية قد انتهت فإن واشنطن حققت هدفها بإشغال الحكومة البحرينية وممارسة الضغوط عليها بما‮ ‬يكفل زيادة نفوذ أنصار ولاية الفقيه،‮ ‬وهو ما ساهم في‮ ‬زيادة نفوذ إيران والمناصرين لها في‮ ‬المنامة‮. ‬ غداً‮ ‬نواصل الحديث حول الحاجة الأمريكية ـ الإيرانية لتعزيز حكم حزب الدعوة في‮ ‬بغداد لضمان تواجد جبهتين لديهما القدرة في‮ ‬ضرب سُنة البحرين والخليج مع اقتراب ساعة الصفر‮.