الوطن - 11 مايو , 2011
نحن الآن في مطلع فبراير ..2011 الأجواء في البحرين كانت ساخنة ومشحونة بالتوتر كثيراً، والسبب ظهور دعوات لما سمي حينها بـ(ثورة البحرين)، وهي الأحداث التي ظهرت في البداية باسم المطالب الإصلاحية، ولكنها سرعان ما كشفت عن أهدافها الحقيقية. بشكل عام لم تكن واشنطن تتوقع سرعة اندلاع احتجاجات شعبية في البلدان العربية، طبقاً للعديد من مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الأمريكية، حيث فوجئت بالسرعة وما يسمى في العلاقات الدولية بنظرية (الدومينو)، وهي نظرية تقوم على أن ما يحدث في دولة ما يمكن أن ينتقل بشكل سريع ومباشر إلى الدول الأخرى المجاورة. لذلك كان لافتاً بالنسبة للإدارة الأمريكية انتقال أحداث تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا والبحرين.. إلخ. أيضاً من الواضح كذلك أن واشنطن لم تكن مقتنعة بأن الفرصة مواتية جداً لاتخاذ مواقف نهائية حاسمة تجاه أحداث البحرين، فهي -أي الإدارة الأمريكيةـ من الأهمية بمكان بالنسبة لها حماية مصالحها واستمرار نفوذها في المنامة والمنطقة. وبالتالي من الصعب اتخاذ مواقف سريعة تجاه الأوضاع وتداعياتها في البحرين. لاحظت واشنطن -كما لاحظ سُنة البحرين- أن أحداث الرابع عشر من فبراير الماضي كانت منطلقاتها طائفية، فالمشاركون فيها كانوا جميعاً من الطائفة الشيعية، مع وجود أقلية محدودة العدد من الطائفة السنية تمثل بعض اليسار والليبراليين التابعين للتيار الإسلامي الشيعي وفي مقدمتهم جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد). ولذلك كانت خطوات احتلال دوار مجلس التعاون خطوة ممتازة للتأكد من قدرة وقوة حلفاء واشنطن الجدد والمستقبليين على بسط نفوذهم بشكل تدريجي في العاصمة ابتداءً من عملية احتلال الدوار مرتين خلال أقل من أسبوع واحد. في البداية كان واضحاً أن أنصار ولاية الفقيه رفعوا شعارات مطلبية وسياسية بهدف الظهور على أن حركة 14 فبراير هي امتدادات لحركات الاحتجاج الشعبي التي شهدتها عدة عواصم عربية مثل تونس والقاهرة. ولكن أمام التنسيق المستمر والجهود التي بذلك آنذاك ظهرت حقيقة المطالبات، وتحولت بشكل عفوي مقصود إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي. وهي المطالبة التي أذهلت الطائفة السُنية في البحرين، فكثير من أبناء هذه الطائفة كان يسمع منذ أن كان صغيراً بأن هناك مخططاً لإقامة حكم شيعي في البحرين وإنهاء الحكم الخليفي، ولكن لم يكن أحد مقتنعاً بذلك بسبب التعايش السلمي الذي اعتادت عليه البلاد، والتطبيع المذهبي السائد بين الطائفتين على مدى قرون طويلة. هذا المشهد السريع أحدث أيضاً صدمة قوية لدى الطائفة السُنية التي لم تعتد كثيراً على مواجهة صدمة داخلية بهذا الشكل، فما حدث في البحرين طوال القرن العشرين، وحركات الاحتجاج الشعبي حتى نهاية التسعينات لم تكن تحمل مطالب صريحة تطالب بإسقاط الحكم الخليفي بقدر ما كانت تحمل مطالب تطالب بمزيد من الإصلاحات السياسية. الأمر الذي خلق دافعاً قوياً لدى أبناء الطائفة بالحاجة إلى مواجهة هذا التحدي الداخلي الذي بات عامل تهديد للوجود الكياني للطائفة السُنية في البلاد. اللافت في هذا المشهد كله أن واشنطن في بيانها الأول عن أحداث البحرين والذي صدر في 15 فبراير لم يتضمن موقفاً واضحاً، وكان بياناً عاماً تضمن قلق الإدارة الأمريكية من أحداث البحرين. فرغم ثورية المطالب التي رفعت ووصلت إلى حد المطالبة بإسقاط النظام كان متوقعاً أن تكون واشنطن منصفة، وتتمسك بحلفائها التقليديين من الطائفة السُنية والعائلة المالكة، ولكن البيان تضمن نكراناً لهذا التحالف، ولم يشر بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تحفظ واشنطن على مطلب إسقاط النظام، أو على الأقل حاول تسمية هذا المطلب بمسميّات أخرى تماماً. وهي بالفعل صدمة أخرى قوية للنظام السياسي في البحرين من حليف دولي قديم مثل الولايات المتحدة، خصوصاً وأن هذه الصدمة لم تقتصر على أبناء الطائفة السُنية والعائلة المالكة في البلاد، وإنما شملت كذلك الحكومات والعوائل المالكة في دول مجلس التعاون الخليجي. نواصل غداً الحديث حول تدرج المواقف الأمريكية تجاه أحداث البحرين، والاستنتاجات التي يمكن الخروج بها لفهم أعمق للعلاقة بين الإدارة الأمريكية والطائفة السُنية.