Tuesday, July 19, 2011

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ساعة الصفر

الوطن - 11 مايو , 2011
 
نحن الآن في‮ ‬مطلع فبراير‮ .‬‭.‬2011‮ ‬الأجواء في‮ ‬البحرين كانت ساخنة ومشحونة بالتوتر كثيراً،‮ ‬والسبب ظهور دعوات لما سمي‮ ‬حينها بـ(ثورة البحرين‮)‬،‮ ‬وهي‮ ‬الأحداث التي‮ ‬ظهرت في‮ ‬البداية باسم المطالب الإصلاحية،‮ ‬ولكنها سرعان ما كشفت عن أهدافها الحقيقية‮. ‬ بشكل عام لم تكن واشنطن تتوقع سرعة اندلاع احتجاجات شعبية في‮ ‬البلدان العربية،‮ ‬طبقاً‮ ‬للعديد من مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الأمريكية،‮ ‬حيث فوجئت بالسرعة وما‮ ‬يسمى في‮ ‬العلاقات الدولية بنظرية‮ (‬الدومينو‮)‬،‮ ‬وهي‮ ‬نظرية تقوم على أن ما‮ ‬يحدث في‮ ‬دولة ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينتقل بشكل سريع ومباشر إلى الدول الأخرى المجاورة‮. ‬ لذلك كان لافتاً‮ ‬بالنسبة للإدارة الأمريكية انتقال أحداث تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا والبحرين‮.. ‬إلخ‮. ‬أيضاً‮ ‬من الواضح كذلك أن واشنطن لم تكن مقتنعة بأن الفرصة مواتية جداً‮ ‬لاتخاذ مواقف نهائية حاسمة تجاه أحداث البحرين،‮ ‬فهي‮ -‬أي‮ ‬الإدارة الأمريكيةـ من الأهمية بمكان بالنسبة لها حماية مصالحها واستمرار نفوذها في‮ ‬المنامة والمنطقة‮. ‬وبالتالي‮ ‬من الصعب اتخاذ مواقف سريعة تجاه الأوضاع وتداعياتها في‮ ‬البحرين‮. ‬ لاحظت واشنطن‮ -‬كما لاحظ سُنة البحرين‮- ‬أن أحداث الرابع عشر من فبراير الماضي‮ ‬كانت منطلقاتها طائفية،‮ ‬فالمشاركون فيها كانوا جميعاً‮ ‬من الطائفة الشيعية،‮ ‬مع وجود أقلية محدودة العدد من الطائفة السنية تمثل بعض اليسار والليبراليين التابعين للتيار الإسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتهم جمعية العمل الوطني‮ ‬الديمقراطي‮ (‬وعد‮). ‬ ولذلك كانت خطوات احتلال دوار مجلس التعاون خطوة ممتازة للتأكد من قدرة وقوة حلفاء واشنطن الجدد والمستقبليين على بسط نفوذهم بشكل تدريجي‮ ‬في‮ ‬العاصمة ابتداءً‮ ‬من عملية احتلال الدوار مرتين خلال أقل من أسبوع واحد‮. ‬ في‮ ‬البداية كان واضحاً‮ ‬أن أنصار ولاية الفقيه رفعوا شعارات مطلبية وسياسية بهدف الظهور على أن حركة‮ ‬14‮ ‬فبراير هي‮ ‬امتدادات لحركات الاحتجاج الشعبي‮ ‬التي‮ ‬شهدتها عدة عواصم عربية مثل تونس والقاهرة‮. ‬ولكن أمام التنسيق المستمر والجهود التي‮ ‬بذلك آنذاك ظهرت حقيقة المطالبات،‮ ‬وتحولت بشكل عفوي‮ ‬مقصود إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي‮. ‬وهي‮ ‬المطالبة التي‮ ‬أذهلت الطائفة السُنية في‮ ‬البحرين،‮ ‬فكثير من أبناء هذه الطائفة كان‮ ‬يسمع منذ أن كان صغيراً‮ ‬بأن هناك مخططاً‮ ‬لإقامة حكم شيعي‮ ‬في‮ ‬البحرين وإنهاء الحكم الخليفي،‮ ‬ولكن لم‮ ‬يكن أحد مقتنعاً‮ ‬بذلك بسبب التعايش السلمي‮ ‬الذي‮ ‬اعتادت عليه البلاد،‮ ‬والتطبيع المذهبي‮ ‬السائد بين الطائفتين على مدى قرون طويلة‮. ‬هذا المشهد السريع أحدث أيضاً‮ ‬صدمة قوية لدى الطائفة السُنية التي‮ ‬لم تعتد كثيراً‮ ‬على مواجهة صدمة داخلية بهذا الشكل،‮ ‬فما حدث في‮ ‬البحرين طوال القرن العشرين،‮ ‬وحركات الاحتجاج الشعبي‮ ‬حتى نهاية التسعينات لم تكن تحمل مطالب صريحة تطالب بإسقاط الحكم الخليفي‮ ‬بقدر ما كانت تحمل مطالب تطالب بمزيد من الإصلاحات السياسية‮. ‬الأمر الذي‮ ‬خلق دافعاً‮ ‬قوياً‮ ‬لدى أبناء الطائفة بالحاجة إلى مواجهة هذا التحدي‮ ‬الداخلي‮ ‬الذي‮ ‬بات عامل تهديد للوجود الكياني‮ ‬للطائفة السُنية في‮ ‬البلاد‮. ‬ اللافت في‮ ‬هذا المشهد كله أن واشنطن في‮ ‬بيانها الأول عن أحداث البحرين والذي‮ ‬صدر في‮ ‬15‮ ‬فبراير لم‮ ‬يتضمن موقفاً‮ ‬واضحاً،‮ ‬وكان بياناً‮ ‬عاماً‮ ‬تضمن قلق الإدارة الأمريكية من أحداث البحرين‮. ‬فرغم ثورية المطالب التي‮ ‬رفعت ووصلت إلى حد المطالبة بإسقاط النظام كان متوقعاً‮ ‬أن تكون واشنطن منصفة،‮ ‬وتتمسك بحلفائها التقليديين من الطائفة السُنية والعائلة المالكة،‮ ‬ولكن البيان تضمن نكراناً‮ ‬لهذا التحالف،‮ ‬ولم‮ ‬يشر بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر إلى تحفظ واشنطن على مطلب إسقاط النظام،‮ ‬أو على الأقل حاول تسمية هذا المطلب بمسميّات أخرى تماماً‮. ‬وهي‮ ‬بالفعل صدمة أخرى قوية للنظام السياسي‮ ‬في‮ ‬البحرين من حليف دولي‮ ‬قديم مثل الولايات المتحدة،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن هذه الصدمة لم تقتصر على أبناء الطائفة السُنية والعائلة المالكة في‮ ‬البلاد،‮ ‬وإنما شملت كذلك الحكومات والعوائل المالكة في‮ ‬دول مجلس التعاون الخليجي‮. ‬نواصل‮ ‬غداً‮ ‬الحديث حول تدرج المواقف الأمريكية تجاه أحداث البحرين،‮ ‬والاستنتاجات التي‮ ‬يمكن الخروج بها لفهم أعمق للعلاقة بين الإدارة الأمريكية والطائفة السُنية‮. ‬