Sunday, June 24, 2012

مســــــــــــــــارات الأزمــــــــة

جاسم المطوع
هناك مساران لأزمتنا الوطنية فإما الانفلات والتشرذم وتمزيق الوطن أو التأسيس لانطلاقة جديدة تحمي المجتمع وكيان الدولة وتضع البلاد على طريق الانفراج وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب. لا زلنا نثق في قدرة أبناء هذا الوطن على احتواء أزمتهم والاصطفاف مجددا في النضال المشترك والمشروع من أجل تعميق الوحدة الوطنية وصيانتها وفي سبيل تعزيز الديمقراطية واستئصال الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ليست لأية فئة او قوى داخل السلطة أو خارجها، باستثناء أصحاب المصالح الضيقة، في استمرار الأزمة والاحتقان الطائفي ونزعة العنف التي تغذيها بعض الجهات والأقلام وبعض الفضائيات، فامتداد الأزمة يعمق الفرز الطائفي ويغذي العنف والعنف المضاد وثقافته، فضلا عن الأضرار السياسية والاقتصادية وانكشاف الوطن أمام المخاطر الخارجية من كل صوب. ليس أمام الجميع من مخرج سوى الحوار الوطني الشامل بأطرافه وموضوعاته، دون شروط مسبقة وبدون محرمات أيضا. هذه السفينة ملك للجميع ولا بد من التوافق على مسارها ووجهة رسوها. لا خلاف على أن الأزمة سياسية بامتياز ولكن التعاطي معها لم يكن سياسيا على الدوام، إذ طغى التأزيم والعنف والمعالجة الأمنية والتهويل على حساب المعالجة السياسية الموزونة المستندة الى قراءة واقعية لطبيعة المجتمع والتوازنات السياسية والاجتماعية، وللبعد الإقليمي وصراعات القوى الكبرى واستراتيجياتها. وكان لما سمي بالربيع العربي أثره البالغ في خلق الأوهام التي لا تزال تهيمن على عقول البعض حول الثورة والإسقاط بما حجب الرؤية عن التفريق بين الممكن والمستحيل، بين متطلبات المرحلة الوطنية وسيرورة التطور الاجتماعي الطبيعي. من هنا فإن انعكاسات المواجهة السياسية كانت وخيمة على النسيج الاجتماعي وسهلت على القوى الطائفية أن تنتعش وتستقطب الشارع تحت مظلتها في إطار مذهبي إقصائي، ووظفت المنابر الدينية لتحقيق مآربها الآنية والبعيدة وبعضها اليوم يضع شروطه للحوار والتي تؤدي في الواقع الى اجهاضه. لقد انعكس الخلاف السياسي اختلافا بين المكونات الطائفية في العائلة الواحدة ومواقع العمل ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية على اختلاف انتماءاتها الفكرية وداخل القطاعات الاقتصادية وهيئاتها. لم ينج اطار اجتماعي أو سياسي من لوثة الطائفية ونزعة الإقصاء، ولم يعد المشكل السياسي وحده يتطلب المعالجة الناجعة فالمشكل الاجتماعي يستصرخ المعالجة كونه يشكل قاعدة البناء السياسي وهدفه. ضمن المساعي الوطنية المجتمعية للخروج من الحالة المرَضية التي أصابتنا ننوه الى مبادرة تشكيل «المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني» التي أعلن عنها الأستاذ سهيل القصيبي بتاريخ 13يونيو الجاري. تأتي أهمية هذا المشروع من كونه تلمّس عمق الجرح وانطلق من مجرد التشخيص الى الاسهام في جهود المعالجة الحقيقية. وهي مبادرة لا تدعي الحل السياسي لانها حصرت مهامها أساسا في «الوصول الى التوافق الاجتماعي، وتحقيق التجانس بين جميع الطوائف، وتسهيل تبادل الأفكار بين أطياف المجتمع، بهدف التشجيع على المصالحة الوطنية والحوار المدني» وفي المدى البعيد «مواجهة التحديات الاجتماعية المتعددة التي تواجه البحرين». وتطرح المؤسسة كما أوضح القصيبي برنامج عمل متنوع يخدم أهداف المؤسسة الخيرة التي نؤيدها ونعتقد بأنها ستلقى الترحيب والمعاضدة من كل الحريصين على وحدة الوطن وتماسك المجتمع بالتوازي مع كافة المبادرات الأخرى. وما يبرر هذا التقييم الايجابي والمتفائل كون المبادرة تحظى بدعم ومباركة ولي العهد صاحب المبادرة المعروفة والتي لا نفهم كيف يكرر البعض رفضها كأرضية للحوار بحجة أن «الزمن قد تغير». هذه فرصة أخرى ينبغي عدم تفويتها وهي تتلاقى مع بعض التسريبات الأجنبية والمحلية عن توجه يزداد ترسخا لدى كافة الأطراف بضرورة الحوار الجاد غير المشروط إذ لا خيار أمام الوطن اليوم غير الصمود والانتصار.