Sunday, June 24, 2012

الكتلة الثالثة الغائبة

حسن مدن
ليست مجريات الأمور في مصر، خاصة بعد الاستقطاب الثنائي في دور الإعادة للانتخابات الرئاسية بين الفريق أحمد شفيق ومرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، هي ما كشف عن عمق المأزق الناجم عن غياب الكتلة الثالثة، كتلة التوازن بين تطرفين، ولكنها دفعت بتجليات هذه الأزمة إلى الصدارة، وأظهرت ما نجم عن عدم حضورها، موحدة وفعالة ومؤثرة، من أسوأ الأثر ليس في مستقبل العملية السياسية في مصر وحدها، وإنما في العالم العربي برمته، وهو يشهد هذا المخاض التغييري، في مرحلة حاسمة من تاريخنا .
أفراد ومكونات هذه الكتلة موجودة في المجتمع، وهي كتلة تملك قاعدة اجتماعية واسعة، لو جرت تعبئتها بصورة فعالة، ولكنها موجودة فقط على شكل قوة كامنة، بسبب تشتتها وعجزها عن توحيد صفوفها في إطار جامع، وهو أمر أدى إلى إخفاقها في أن تكون نداً لطرفي الاستقطاب الحاد الناشئ في غير بلد عربي .
فأحداث مصر الأخيرة، ومسار الانتخابات الرئاسية فيها دفعت بقطاعات واسعة من المصريين، احتجاجاً على ما اعتبروه “ديكتاتورية الخيارين”، أي اللجوء إلى واحدٍ من أمرين: مقاطعة الانتخابات أو إبطال الصوت . تنوعت خيارات هذا القطاع في الجولة الأولى للانتخابات، فمجموعة منهم ذهبت إلى حمدين أو خالد علي أو العوا، لكنّهم جميعهم اتفقوا على إبطال الصوت أو عدم الذهاب إلى الصناديق في الجولة الثانية .
وحسب جريدة “المصري اليوم” في تقريرٍ لها بهذا الخصوص، فإن “مواطنين بسطاء أصحاب ورش وسائقي تاكسي وباعة، أو نشطاء سياسيين معروفين على وسائل التواصل الاجتماعي، رفضوا جميعاً الاختيار بين ما وصفوه ب”السيئ” و”الأسوأ”، مُقررين انتظار فوز واحد من الاثنين، للدخول في جولات معارضة سلمية قوية ضده، مؤكدين أن خطأ ما حدث في الانتخابات هو اللعب بشروط النظام السابق نفسها، وهو ما أفرز في النهاية خيار هذا النظام: أنا أو الإخوان المسلمون، مُوضحين أن مصر بعد الثورة كانت تستحق اختياراً مدنياً لا عسكرياً وألا يستخدم الدين في ألعاب السياسة” .
لكن، لا المقاطعة ولا إبطال الصوت أثرا في النتائج النهائية، وهما وإن كانا تعبيراً عن موقف احتجاجي جدير بالتنويه، لأنه يعكس مقدار خيبة الأمل في الأمور، بعد المسار الذي إليه اندفعت، إلا أنهما لم يخرجا بالاستقطاب الثنائي من إطاره، فباتت الأصوات الهائلة لهذه الكتلة الثالثة، التي قد تكون هي الأكبر في المجتمع، أصواتاً مُهدرة، لم تجرِ الاستفادة منها في عملٍ ملموس، يؤدي إلى خرق المسار المرسوم من اللاعبين الكبيرين: المجلس العسكري والإخوان .
أزمة مصر السياسية الراهنة هي التعبير الأكثر وُضوحاً ودرامية عن غياب الكتلة الثالثة، الرافضة للاستبداد القديم، وللشمولية التي تنطوي عليها برامج الكثير من القوى الإسلامية في لحظة صعودها الراهن، وهي أزمة تتجلّى في مختلف بلدان العالم العربي بنسبٍ تزيد أو تنقص، وبتجليات تتفاوت، قوة أو ضعفاً، بين بلد عربي وآخر، لا تظهر في لحظات التغيير الحاسمة فحسب، وإنما في ظروف التطور المعتادة أيضاً، لتظل كابحاً جدّيّاً بوجه أي اختراق جذري، حاسم، للمنظومة المهيمنة التي تغير جلدها، لكنها هي نفسها لا تتغير .