Sunday, June 24, 2012

الغابة أم الشجرة

خيري منصور
يتساءل كثير من الفلسطينيين المحاصرين تحت الاحتلال ووطأته الثقيلة: أين نحن من ربيع العرب؟ فيسارع بعض العرب إلى إجابتهم على الفور: إن لكم أيضاً ربيعكم وقد سبقنا وكان طائرَ السنونو الجريح الذي بشّر بربيعنا، وسيطول هذا السّجال إذا سلّمنا بأن لكل عربي ربيعه كما أن لكل أيضاً خريفه وصيفه وشتاءه، وعندئذٍ تكون تقاويم الطبيعة قد حلتْ مكان تقاويم التاريخ الذي لم يكن ذات يوم ربيعاً لأحد أو خريفاً لآخر، ففيه ومن خلال جدليته ذات الوجهين، الأخضر والأصفر واليافع والناشف .
فالقول إنّ لفلسطين ربيعها أو ينبغي لها أن تجترحه من صلب جغرافيتها، هو تكريس لتلك الاستقالة وبمعنى أدق الإقالة القومية من قضية القضايا، وكان مراقبون بينهم أوروبيون، قد لاحظوا غياب الشعارات التقليدية والمباشرة ذات الصلة بفلسطين في ساحات الحِراك العربي، ولم يخطر ببالهم أن هناك وجهاً آخر للمشهد، فإذا استطاع العرب أن يحققوا حريتهم واستقلالهم الفعلي وبالتالي تحرير إرادتهم، فإن هذا هو الاسم الحقيقي لفلسطين التي تخصهم في الصميم، خصوصاً بعد أن انتهت الشعارات إلى ترميز لفظي، ومجرد أوراق تكنسها العواصف، وإن كان لفلسطين خريف قومي وسياسي فهو ليس الاحتلال فقط وما فرخَهُ من استيطان، لقد كان ذلك كله مجرد بداية، أما الأهم والأجدر بالتأمل فهو خلع فلسطين من سياقها المُزْدَوج عربياً وإسلامياً، بحيث تعود إلى مساحتها الجغرافية فقط، وتنتهي حدودها الإقليمية عند المواقع الجغرافية لا التاريخية . كان لتعريب فلسطين وأسْلَمتها لزمن طويل الدور الأساسي في بقائها قضية على قيد التاريخ والذاكرة والوجدان، وحين تقلصت وانحسرت إلى حدودها التقليدية تغيّر كل شيء .
ولعل الشعار الذي رُفع عشية هذا الانخلاع من السياق القومي وهو “نرضى كعربٍ بما يرضى به الفلسطينيون”، كان اختزالاً لمرحلة من الانكفاء، والخذلان والتخلي، لأن القدس ليست مجرد مدينة تنتهي حدودها عند الأسوار أو عند عتبات المستوطنات التي قضمت ترابها وسطت على مائها وهوائها .
لا تهمنا التسميات، ربيعاً كانت أم شتاءً، فالتاريخ في تحولاته الكبرى لا يعبأ بكل هذا القاموس، لأن هناك فصولاً أشدّ قسوة وتعريةً من الخريف تولد في عزّ الربيع .
إن السؤال الفلسطيني عن حصة تلك الأرض من ربيع العرب، هو في جوهره مُساءَلة سياسية وأخلاقية على أساس قومي، واحتكام إلى مفاهيم ورُؤى استراتيجية تتخطى كل ما هو إجرائي وتكتيكي ومؤقت، والفارق بين احتلال بلد لا ينتسب إلى سياق قومي ولا يشكل جزءاً عضوياً من أمة، وبين احتلال بلد هو جزء حيوي ومقدس من كيان أمة، أن الأول قد يصبح جريمة كاملة، كما جرى لسكان أصليين في أمريكا وكندا وغيرهما، بينما يصبح النمط الثاني من هذا الاحتلال ارتهاناً . ولو سلمنا بأن فلسطين رهينة، فإن السؤال هو: أيْنَ ذووها؟