Sunday, June 24, 2012

حرب المفاوضات

إبراهيم عباس
ربما أنه ليس من قبيل المبالغة القول إننا أصبحنا نحيا عصر حسم النزاع من خلال حروب غير تقليدية ، أي حروب تدار بدون جيوش وأعتدة ومعارك ، وإنما من خلال وسائل أخرى لا تقتصر فقط على الأساليب السياسية ، وإنما أيضًا على الحروب السرية والإلكترونية بكافة أشكالها . فقد قتل في القرن الماضي 120 مليون شخص في 130 حربًا ، وهو عدد يفوق عدد كل من قتلوا في كافة الحروب التي شهدها العالم لما قبل العام 1900 ، الأمر الذي دفع العديد من الدول الاستعمارية إلى التفكير في إستراتيجيات وخطط جديدة لاستخدام آليات ووسائل جديدة كبدائل للحروب والمعارك المسلحة. ما يهمنا هنا ونحن نتحدث عن الحالة الفلسطينية هو حرب المفاوضات ، فالمفاوض البارع يمكنه أن يحصل على تنازلات من الطرف الآخر تحقق له مكاسب أكثر من المكاسب التي يمكن أن تتحقق له من خلال الحرب المباشرة . لذا فليس من قبيل المبالغة القول إنه يمكن للمفاوض الجيد إدماج كافة الإمكانات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والدعائية لبلاده وتوظيفها في خدمة الأهداف الإستراتيجية ، اعتمادًا على الفرضية بأنه إذا تحققت تلك الأهداف من خلال المفاوضات فلماذا خوض المعارك إذن ؟ .. وهو بالضبط ما طبقته إسرائيل في مفاوضاتها مع الجانب الفلسطيني على مدى 18 عامًا من جولات المفاوضات المباشرة وغير المباشرة.ونظرة سريعة على مشهد النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي الراهن سنجد الآتي: تحقق لإسرائيل من خلال المفاوضات الأمن الذي يعتبر هدفها الإستراتيجي الأساس- بنسبة 99% . فقد أدت هذه المفاوضات في نهاية المطاف إلى انخفاض العمليات الفدائية من أكثر من 500عملية في بعض الأشهر في فترة انتفاضة الأقصى إلى الصفر تقريبًا الآن، فيما أدى تسويف ومناورات إسرائيل في تأجيل البحث في ملفات القدس والمياه والحدود إلى أجل غير مسمى ، إلى تهويد شبه كامل للقدس وسرقة الأراضي والمياه الفلسطينية والتوسع إلى ما وراء الخط الأخضر من خلال إقامة الجدار الفاصل.
بيد أن إسرائيل لم تحقق هذا الانتصار بالمفاوضات وحدها ، فقد استغلت انشغال القيادات الفلسطينية في جدلية الانقسام والمصالحة على مدى الأربع سنوات الماضية التي شهدت مئات جولات الحوار الفاشلة أوسع استغلال ، إلى جانب انشغال المنطقة بما يعرف بثورات الربيع العربي - وخصوصا الانتخابات المصرية الأخيرة- في تحقيق أهدافها الإستراتيجية تلك ، فيما أطلقت القيادة الفلسطينية في رام الله والقدس العنان لخيالها الواسع : رام الله باستحقاق الدولة وغزة بفوز الإخوان في الانتخابات !..