Sunday, June 24, 2012

أيام مصر الماراثونية

هاشم عبدالعزيز
“أيام مصر الماراثونية”، هذا هو العنوان المناسب لما كانت عليه مصر في أيامها الانتخابية الرئاسية التي جرت في جولتها الثانية الأسبوع المنصرم، ويُكتب الموضوع قبل الإعلان الرسمي لنتائجها النهائية، وعدم الانتظار هذا، ليس انسياقاً للاندفاع الصاخب الذي قادته جماعة الإخوان المسلمين للاحتفاء بفوز مرشحها الدكتور محمد مرسي قبل إعلان النتيجة الرسمية، بل إلى مسايرة هذه العملية بمجرياتها، وهي في هذه اللحظة الفاصلة بين انتهائها وبين إعلان نتائجها تحتمل طرح غير ملاحظة لا ترتبط بهذه العملية وحسب، بل بمصر حاضرها ومستقبلها .
أولى الملاحظات أن الانتخابات الرئاسية المصرية هي الأولى التي تجري في تاريخ مصر المعاصر بهذا الانفجار الديمقراطي الحيوي، وهذه البداية كفيلة بإحداث تغيير يضع نهاية حاسمة للانتخابات الصورية وممارستها الحيل والتزوير، لأن الانخراط في هذه العملية ينمي الوعي الانتخابي ويوفر الخبرة في إدارتها، ويمنح الناخب قدراً عالياً من ممارستها على أساس الاختيار الحر .
ثاني هذه الملاحظات أن التجربة التي مرت ستصير محطة نقدية للأوساط التي اندفعت لخوض المنافسة، وكانت بحاجة إلى ائتلافات تجمعها بدلاً من منافسات تشتتها كانت نتائجها لغير مصلحتها متفرقة ومجتمعة، والدرس البليغ، إن لم نقل القاسي، يعني مجمل تيارات مصر المعاصرة وهي في طيف متناغم بوطنيتها وقوميتها وتقدميتها وتواصل أجيالها التي تجتمع على قضايا مصر وأمتها وعلى انتصار قضايا الإنسان في حريته وكرامته وعزته وسعادته وكفالة وضمانة كامل حقوقه .
الملاحظة الثالثة أن إجراء الانتخابات الرئاسية في جولتين قدم مشهداً انتخابياً في مفارقة صارخة . الانتخابات جرت في الجولة الأولى على قاعدة الخيارات التي أتيحت للناخبين من خلال تعدد وتنوع المتنافسين، أما في الجولة الثانية فلم تكن هناك خيارات بالمعنى الانتخابي، بل كان هناك ما يمكن وصفه بالانقسام القائم على الولاءات، وبين هذا وذاك كان مرشحا الانتخابات يخوضان معركة اغترابهما عن الناخبين، فالمرشح الإسلامي يقدم العهود في شأن الحقوق المدنية، والمرشح المنافس الذي تقلّد آخر منصب لرئاسة وزراء في عهد حسني مبارك يقدم تعهداته بالعمل على إنجاز أهداف ثورة يناير .
الملاحظة الأساس أن مصر عانت من المؤسسة الرئاسية لا في كونها منذ ثورة 23 يوليو بقيت عسكرية، بل لأن هذه المؤسسة في عهد مبارك تحولت إلى مظلة لما حاق بمصر من إضعاف مهين لمكانتها وإمكاناتها الاستراتيجية، ومعلوم لمصلحة من هذا الإضعاف الذي واكبه ما لحق بشعب مصر من معاناة قادت إلى عاصفة الغضب ضد القمع والاستبداد والفساد والحرمان وانسداد الأفق أمام الأجيال الجديدة . بمعنى آخر، لا تحتاج مصر وشعبها إلى من يبدأ صباحه بالوعود ويذهب إلى مخدعه بالعهود، بل إنهما بحاجة قبل أي شيء وكل شيء إلى نظام يعبر عن مصر بكيانها ومكوناتها وإمكاناتها وتاريخها، وبالاختصار نظام يعيد الاعتبار إلى هذا البلد العربي الكبير والعريق .
من هنا يمكن القول إن مستقبل النظام في مصر يتوقف على مسألتين:
الأولى: الهوية الاجتماعية لهذا النظام الذي يمكن أن يقوم على قاعدة التنمية لا الاقتصار على النمو، لأن النمو يعتمد على تصاعد المداخيل؛ فيما التنمية أن تنعكس هذه المداخيل على حياة السكان ومعيشتهم، وعلى تطوير أوضاعهم ومناطقهم، وإشاعة وترسيخ حقوق العمل والعدل والمساواة وتصفية بؤر الفساد والاستئثار بمقدرات البلاد والعباد .
الثانية: توجهات النظام، وهذه بوجه عام تعني تحرر مصر من التبعية للأمريكيين التي أوصلت مصر إلى حال العجز عن مجرد مواجهة مخاطر أمنها، كما هو الأمر في شأن القضية الفلسطينية والوضع في السودان، فضلاً عمّا هو مرتبط بمسؤولياتها القومية ومصالحها الإقليمية والدولية .
المفترض أن الرئيس القادم قبل أن يبدأ ترتيبات وجوده في الرئاسة أن يتوقف أمام ما آل إليه من كان بالقصر بعد انهيار أوهام خلوده .
في أي حال، تبدو أيام مصر الماراثونية إلى نهاية، وأيام مصر التاريخية في تواصل، والخاسر من يتذاكى في لعبة خلط الأوراق بعد أن استنفد ماراثون الدعاية والاتهام والتشويه وحتى الشتيمة فرص التلاعب .