Sunday, June 24, 2012

ماذا طلب العجوز من رئيس مصر

احمد المرشد
عاش المصريون ونحن معهم ساعات عصيبة بدأت من فجر يوم الاثنين الماضي عقب استباق المرشح الاخواني محمد مرسي اعلان اللجنة العليا للانتخابات نتائجها الرسمية وتسمية الفائز فيها سواء هو ام منافسه المرشح الاقرب للمجلس العسكري والحكومة الفريق احمد شفيق.. فالاخوان لم ينتظروا وحاولوا استباق الاحداث ليعلنوا النتيجة بانفسهم كمن يأخذ حقه بيده رافضا تنفيذ حكم القانون واللجوء اليه، فهم هنا يرون انهم الاعلون ويمارسون سياسة الاستعلاء على الاخرين.. والاخوان بتبني تلك السياسة يطبقون نفس السياسات التى يتهمون النظام المصري السابق بانه مارسها نحوهم واقصاهم من العمل السياسي وهمشهم لنحو اكثر من 80 عاما متواصلة. في واقع الامر، استغل الاخوان بعض الاخطاء من قبل المجلس العسكري الحاكم الفعلي في مصر بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ونحن ليس بصدد حصرها، ولكن بعضها ساهم في خلق حالة من البلبلة والتوتر السياسي في مصر. ولعل اهمها اعلان المجلس عشية كشفه رئيس الجمهورية عن اعلان دستوري مكمل لحين التوصل الى دستور دائم في مصر يعقبه انتخابات مجلس الشعب الذي حلته المحكمة الدستورية. كما يرى المصريون خطأ اخر ارتكبه « العسكري» وهو الايعاز لقضاة المحكمة الدستوري لحل البرلمان حتى يأتي الرئيس الجديد مسلوب الارادة والصلاحيات، وإن كانت التداعيات ترى انه الاخواني محمد مرسي، فرأي العسكريين ومعهم قضاة الدستورية انه من الخطورة بمكان ان يأتي رئيس دولة من الاخوان ويدعمه برلمان ذات توجه اخواني ايضا، ثم تأتي حكومة اخوانية، وهنا يتغير لون علم مصر الى اللون الاخضر نسبة الى الاسلام. ولهذا اشتد عود العسكري والدستورية معا لالغاء مجلس الشعب حتى وان أتي مرسي ياتي وحيدا.. ثم اعقب ذلك الاعلان الدستوري المكمل الذي نزع بقية الصلاحيات من الرئيس المقبل بغض النظر أكان مرسي ام شفيق. ثم تتطور الامور اكثر ليعلن وزير الدفاع المصري رئيس المجلس العسكري ما يسمى بهيئة لجنة للدفاع الوطني والتي تضم رئيس الجمهورية والمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس‏ ورئيس المخابرات العامة و‏تضم بالاضافة اليهم‏ تسع عسكريين‏، ليشتعل الشارع السياسي في مصر اكثر على اعتبار ان اعلان المشير هو سكب المزيد من البنزين على النار. ولم يهدأ هذا الشارع رغم اعلان بعض العسكريين المصريين التزام المجلس العسكري بتسليم السلطة للرئيس المنتخب.‏ ولم تصدقه القوى الثورية والاخوان والسلفيين عندما اكد هؤلاء العسكريين نيتهم تسليم السلطة ووفاء القوات المسلحة بالعهد وتنفيذ خريطة التحول الديمقراطي. اما ما رأته قوى التحرير – نسبة الى القوى السياسية والدينية والثورية المنتشرة في ميدان التحرير - هو ان رئيس الجمهورية سيتسلم بعضا من صلاحياته، اما بقية صلاحيات الرئيس فذهبت الى المجلس العسكري الذي اختطف السلطة في مصر. بيد ان المشهد المحزن في مصر ان بعض تلك القوى يستقوى بالشارع وباسم الثورة ليقف موقفا مناهضا للدولة الام تحت زعم المطالب الثورية .. نعم من حق الذي حصل على اعلى الاصوات ان يتولى منصب رئيس الجمهورية لانه جاء نتيجة اختيار الاغلبية التي قالت له نعم ..وإن كنت اعتقد بحكم قربي نوعا ما بالشارع المصري، ان المجلس العسكري تسرع نوعا ما باقدامه على طرح الاعلان الدستوري المكمل، رغم انه من حقه ان يصدر التشريعات لانه الركن الاساسي في حمايه الثورة وهو الجيش المصري.. وهو المجلس الذي حارب الفوضي بقدر الامكان، وحارب كل من يتربص بالثورة المصرية. فالمجلس العسكري ورغم اخطائه فهو يمثل مجموعة من الضباط الشرفاء لا يريدون سوى مصلحة بلادهم، وهم غير طامعين في سلطة وكل ما يعنيهم هو حماية بلدهم. اعتقد ان المصريين سيتجاوزون هذه المحنة الخطيرة، وعليهم الاسراع بالعودة الى رشدهم السياسي وانهاء حالة التشرذم، وعليهم ان يفرحوا بالاحتفال برئيسهم المنتخب، وهو اول مواطن يتبوأ هذه المكانة نتيجة انتخابات حرة ونزيهة.. ويكفي ان حكمة الله للشعب المصري انه واثناء احتفال الاخوان بفوز مرشحهم – قبل اعلان النتائج الرسمية - ترددت انباء قوية عن وفاة الرئيس السابق حسني مبارك – وهي لحظة فارقة لمن يفكر في ملكوت الله، ولعلها لحظة قد يعيد فيها المرء تفكيره مرة اخرى، وقد يتراجع البعض ويقول لنفسه:» لماذا التكالب على السلطة وهذه هي آخرة الانسان؟».. فكثيرون يريدون حياة بعيدة عن الصخب والشهرة والمسؤولية، وهؤلاء يقولون انه من الافضل الابتعاد عن عالم السياسة والسلطة والمحاسبة، فمن يخطئ اليوم سيحاسب غدا، وحساب الغد لعظيم. من المؤسف القول ان الجميع تلاعب بالمصريين في اللحظات العصيبة التي مروا بها اواخر الاسبوع الماضي، ومن اول المتلاعبين وسائل الاعلام التي ساهمت بقدر كبير في بلبلة الرأي العام، وهي الوسائل التى تضاربت تحليلاتها السياسية والقانونية لكل تطورات المشهد، فكل ضيف يناصر الفئة التي ينتمي اليها، حتي القانونيين اختلفوا رغم ان النص القانوني واحد، ولكن تفسيراتهم تعددت وتنوعت ليضطرب معها المشهد زيادة غير عابئين بعقول المصريين. اللحظة بصدق فارقة، فالاخوان اللاعب الرئيسي في المرحلة الانتقالية ورغم ثقلهم التاريخي، لن يتغيروا بين ليلة وضحاها، فهم يجيدون لعبة المواءمات وعقد الصفقات ثم التراجع عما اتفقوا عليه، والدلائل كثيرة منها انهم اعلنوا عدم رغبتهم في الترشح لمنصب رئيس الجمهوية ثم دخلوا سباق الرئاسة، وهم الذين وقعوا على كل الوثائق الخاصة بالدولة المدنية، ثم ارادوا الهيمنة على الجمعية التأسيسية الامر الذي دفع بالاخرين الى اللجوء لمحكمة القضاء الاداري في مصر لوقف تلك المهزلة. والان يخشى المصريون ان يتولى الاخوان بمفردهم إدارة المرحلة الانتقالية دون باقي القوى الوطنية والتيارات الاخرى، مما دفع الجيش هذه المرة الى التدخل السريع وفرض اعلان دستوري مكمل لاحداث توازن بدفة الحكم عشية الاعلان عن الرئيس الجديد. وقد نستشهد هنا بما قاله النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقا الدكتور محمد حبيب، بان ترشيح الجماعة عضوا منها في انتخابات الرئاسة هو خطأ استراتيجي قاتل، ويفقدها مصداقيتها لدى الرأي العام. واذا اضفنا لما قاله حبيب القيادي السابق في الاخوان، فربما يكون تساؤلا ويتعلق بمغزي استباق الاخوان الاحداث واعلان فوز مرشحهم ولم تكن عمليات الفرز او الطعون قد انتهت؟ وهناك لجنة من رجال قضاة المحكمة الدستورية تتولي هذا الامر. فلماذا الاستعجال نحو السلطة والتهافت على اختطاف الكعكة؟. وختاما.. لعل ما نقلته صحيفة الوفد المصرية في عددها يوم الثلاثاء الماضي عندما استضافت رجلا مسنا يقترب عمره من الثمانين، وسألته الصحفية: «ماذا تطلب من الرئيس الجديد؟».. فكان رده بالغا وبليغا ومعبرا رغم انه بلغ من العمر ارذله، ولكنه فكر في المستقبل، ولم يخنه سنه في الاجابة وانما اعطاه عمره حكمة في الرد.. فماذا كان الرد؟. الرجل لم يطلب المستحيل من الرئيس الجديد، انما اكتفي بتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وحرية التعبير.. فهل يستطيع رئيس مصر المقبل على توفير كل هذه الاحتياجات والمطالب والاماني؟.