Sunday, June 24, 2012

حال مصر اليوم

السيد زهره
حال مصر اليوم حال غريب.
ربما لم يحدث طوال التاريخ المصري الممتد أن كانت مصر في حال من التناقضات، ومن عدم اليقين وعدم الوضوح والحسم مثلما هو حالها اليوم.
وحال مصر اليوم يمكن توصيفه على النحو التالي:
مصر شهدت ثورة، لكنها لم تشهد تجسيدا للثورة على ارض الواقع.
شهدت مصر ثورة شعبية عارمة من اجل التغيير الشامل واقامة نظام جديد. لكنها حتى اليوم لم تشهد التغيير الجذري المنشود في أي مجال من المجالات وما زالت الاوضاع الفعلية كما هي تقريبا.
والاكثر من هذا ان القوى الوطنية الثورية اصبحت عمليا خارج معادلة السلطة، وجيل الشباب الثورى لا مكان له تقريبا في صراعات السلطة التي تشهدها مصر. اصبح الصراع الفعلي على السلطة محصورا بين القوى الدينية وقوى النظام القديم والمجلس العسكري.
ومصر مرت بتجربة انتخابات حرة للرئيس للمرة الأولى في تاريخها، لكنها في حقيقة الأمر كانت انتخابات بلا حرية حقيقية. بمعنى ادق، كانت حرية مقيدة الى ابعد حد.
ففي نهاية المطاف كان على المصريين ان يختاروا بين مرشح للإخوان المسلمين بكل ما يمثله ذلك، وبين مرشح يمثل النظام السابق بنظر الكثيرين بكل ما يمثله ذلك ايضا.
من الناحية الشكلية، كان هذا خيارا ديمقراطيا. لكن من الناحية الموضوعية لا يمكن اعتبار هذا الخيار خيارا حرا في بلد شهد ثورة ويتطلع الى التغيير الشامل.
ولهذا، وباستثناء الناخبين المصريين من اعضاء الاخوان المسلمين والموالين لهم، والمصريين الذين يعتقدون حقا باختيار رئيس مثل احمد شفيق، فان الاغلبية الساحقة من الذين صوتوا في انتخابات الاعادة واعطوا صوتهم لأحد المرشحين لم يفعلوا ذلك عن أي اقتناع، وانما بمنطق اختيار اهون الضررين من وجهة نظرهم.
ومصر اليوم من المفترض نظريا ان تنتقل الى الحكم المدني بعد اختيار الرئيس الجديد، وان يتسلم المدنيون الحكم من المجلس العسكري. لكن هذا افتراض نظري فقط. فكما هو معروف، فان المجلس العسكري بالاعلان الدستوري المكمل الذي اصدره بحكم صلاحياته حاليا، سلب الرئيس المنتظر صلاحيات كثيرة، واعطى لنفسه الكثير من الصلاحيات اولها صلاحية التشريع.
أي ان الذي ينتظر مصر عمليا هو رئيس مدني وحكم مدني شكلي، لكن السلطة الفعلية للحكم سوف تبقى بيد المجلس العسكري.
وفي نهاية المطاف بالاضافة الى كل ما سبق، فان مصر تواجه معضلة مع الرئيس القادم ايا كان من سيتم اعلان فوزه من المرشحين.
مصر تنتظر إما رئيسا لا علاقة له بالثورة وبمطالبها وبما اطلقته من آمال في التغيير، بل بالعكس موقفه المناهض للثورة معروف هو الفريق احمد شفيق, واما رئيسا لا علاقة له في واقع الأمر بالدولة المدنية المنشود اقامتها. فعلى الرغم من الوعود التي يطلقها محمد مرسي والاخوان المسلمون بهذا الشأن، فانه في نهاية المطاف الدولة الدينية تمثل جوهر قناعاتهم وهدفهم الرئيسي. والأمر المؤكد انهم لو تمكنوا فعلا من فرض سيطرتهم على مقاليد السلطة ومؤسسات الدولة، فسوف يسيرون في هذا الاتجاه.
هذا بشكل عام هو حال مصر اليوم. وهو كما قلنا حال من التناقضات وعدم الوضوح، وهو حال يشير الى مستقبل غامض مفتوح على احتمالات كثيرة.
ولهذا، فان غالبية المصريين يعيشون اليوم حالة من القلق والخوف من المستقبل القريب واحتمالاته. ولا شك ان هذا القلق له ما يبرره وخاصة ان الاحتقان في الشارع بين مختلف القوى وصل الى المستوى الذي نتابعه ونعرفه.
ورغم هذا كله، فان المأمول هو ان تجتاز مصر هذه الحالة المؤلمة بسلام، وان تصل الى نقطة توازن وسط تجنب البلاد أي احتمالات لا تحمد عقباها ويتخوف منها الناس.
هذا هو ما نتمناه ونتوقعه وخاصة ان توازن القوى السياسية في مصر اليوم وفي الشارع لا يسمح في نهاية المطاف لأي قوة واحدة منفردة بأن تفرض ارادتها وحدها على الشعب كله.