Sunday, June 24, 2012

أم الدنيا في انتظار مستقبلها

عبدالله الأيوبي
مع تأجيل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية إعلان النتائج النهائية للانتخابات من يوم الخميس إلى اليوم السبت أو غد الأحد، فإن الجميع يترقب مثل هذا الحدث التاريخي الذي من شأن نتائجه أن تحدد الطريق الذي يمكن لمصر ما بعد مبارك أن تسلكه في سياق تطورها السياسي الحديث، وما إذا كانت هذه الانتخابات ونتائجها ستقود الساحة المصرية إلى حالة من الاستقرار وبالتالي تهيئة الظروف المساعدة والأرضية المناسبة لعملية تطور ديمقراطي صحيح، أم أن تقود هذه النتائج وهذه الانتخابات إلى حالة من عدم الاستقرار، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبا وبتأثير قوي في الوضع الاقتصادي، ومن ثم المعيشي للمواطن المصري الذي عانى كثيرا الفساد الاقتصادي على مدى أكثر من أربعة عقود.
من حيث المبدأ يفترض من الانتخابات الرئاسية ونتائجها، أن تشكلا خريطة طريق تقود إلى بناء دولة المؤسسات والقانون الكفيلة بحماية والحفاظ على حقوق المواطنة لجميع المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، وخاصة أن جميع القوى السياسية ومن مختلف الانتماءات الفكرية تصرح علنا بأنها مع دولة المؤسسات والقانون، وبأنها تؤمن بالتعدديتين السياسية والعقدية، وهذا يعني من حيث الظاهر أنه لا خوف على عملية التطور السياسي في مصر إذا ما ترجمت جميع القوى هذه المواقف واتخذتها منهجا في عملها السياسي وفي علاقاتها مع مختلف القوى.
لكن ذلك يبقى مجرد تمنيات جميلة، فعملية التحول السياسي والديمقراطي في مصر كغيرها من الدول التي عانت كثيرا أنظمة سياسية متسلطة مارست خنقا متواصلا وكبتا شنيعا للحريات السياسية، تسببت في ظهور شريحة واسعة من المجتمع تجهل أصول اللعبة الديمقراطية، ومن الصعب بالتالي على القوى التي تنضوي تحته أجنحتها مثل هذه الشرائح أن تتأقلم بهذه السرعة مع لعبة الديمقراطية التي تحتاج إلى وقت طويل وممارسة مستمرة حتى تتحول ـ بحسب تعبير لينين ـ إلى "عادة من عادات المجتمع".
هذا الواقع الذي تعيشه مصر ويعيشه العديد من الدول العربية التي اختارت شعوبها ولوج طريق العملية الديمقراطية وتحديث أنظمتها السياسية، لن يكون من السهل تجاوزه بمجرد إجراء الانتخابات ومشاركة جميع القوى السياسية فيها، فالعبرة، بل الأهم من ذلك كله أن تتحول هذه الممارسة إلى قناعة ثابتة كي تتوافر مقومات الاستمرارية لهذه العملية، وتكون في مأمن من الانقضاض عليها من بعض القوى السياسية واحتكارها، وبالتالي العودة إلى الخلف من جديد، الأمر الذي من شأنه أن تترتب عليه عواقب اجتماعية وسياسية واقتصادية باهظة الثمن.
فهناك قوى سياسية في المجتمع المصري، تعلن صراحة أنها "مع" التعددية السياسية والمساواة في الحقوق بين جميع المواطنين المصريين، بما في ذلك احترام الخصوصية الفردية، ولكنها في حقيقة الأمر تختزن في برامجها السياسية أجندات إقصائية خطرة من شأن ترجمتها إلى واقع عملي أن تتسبب في تقسيم المجتمع إلى فئات غير متساوية الحقوق، وبالتالي فإن مثل هذه القوى تشكل الخطر الحقيقي والكبير على تطور العملية الديمقراطية في مصر، إذ يذهب بعض المراقبين إلى الجزم بأن مثل هذه القوى إذا ما تمكنت من الإمساك بمفاصل الدولة المصرية فإن "على الديمقراطية السلام".
مثل هذه المخاوف لها ما يبررها، فبعد الإطاحة بنظام حسني مبارك، وكما هو الحال في تونس أيضا بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، ارتفعت الأصوات الإقصائية وترجمت ممارساتها إلى أفعال تسببت في إثارة الكثير من الصدامات والمخاوف في أوساط العديد من مؤسسات المجتمع المدني في البلدين، وليس مستبعدا أن تتصاعد الممارسات الإقصائية ولا تتوقف عن حد الاحتجاجات الشفوية، ذلك أن القوى التي تقف وراء مثل هذه الممارسات هي أصلا لا تؤمن بالديمقراطية، بل إن بعضها يذهب إلى تحريمها واعتبارها بدعة من بدع الغرب "الكافر".
مصر هي الان أكثر من غيرها مع موعد يمثل بالنسبة إلى جميع مكونات المجتمع المصري مرحلة في غاية الأهمية والحساسية، وقد تكون نتائج الانتخابات الرئاسية هي المحطة الرئيسية التي منها يتحدد المسار السياسي والديمقراطي لهذه الدولة الشقيقة التي تمثل بالنسبة إلى الوطن العربية الرئة التي إذا ما كانت نظيفة نفثت هواءها النقي ونشرته إلى جميع أشقائها في الوطن العربي، وإذا ما ابتليت بالتلوث السياسي فإن هذا التلوث سرعان ما يضرب الوطن العربي كله أيضا، فنظرة مقارنة بين حقبة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والحقبة التي أعقبت رحيله تكفي للتدليل على ما نقول.